نص( رؤية مقدمة من شباب الثورة المستقلين بفريق القضية الجنوبية بالحوار الوطني الشامل عن جذور القضية الجنوبية )
المقدمة :
ونحن نمر بـمرحله من أهم مراحل الثورة الشبابية الشعبية السلمية, مرحله الحوار الوطني الشامل, مرحله بناء اليمن الحديث يمن المدنية والديمقراطية يمن الحادي عشر من فبراير 2011م الثورة التي انطلقت في 15 يناير 2011م من أمام بوابة جامعة صنعاء هذه الثورة التي عمت بركاتها عموم اليمن بكل محافظاته وقراه، في شماله وجنوبه في شرقه وغربه، حاملة همومهم جميعاً على قدر واحد من الأهمية والمساواة، في لحظه تاريخيه فارقه تمر بها أمتنا العربية و الاسلامية مما تشهده من ربيع عربي طوى حقبة كئيبة جدا من زمن أمتنا على طريق النضال السلمي الذي كان رواده المتقاعدين العسكريين في جنوبنا الحبيب الذين كانوا ملهمين وسبّاقين لجميع ثورات الربيع العربي وكلاهما الثورة الشبابية والحراك السلمي أتيا من أجل قيّم التصالح والتسامح ونبذ ثقافة الموت والقتل والدماء .
لم يكن شباب اليمن بعيدين عمّا يحدث في اليمن من اختلالات سياسية واقتصاديه واجتماعيه وأمنية بل كانوا يرقبون الوضع عن كثب حتى حانت اللحظة المناسبة التي قال فيها شباب اليمن كلمتهم، ولولا ثورتنا الشبابية الشعبية السلمية ودماء شهدائنا الأبرار الذي كان أولهم ابن عدن الشهيد محمد علي شاعن الذي سقط شهيدا في الـسادس عشر من فبراير 2011م ، ولولا شاعن ورفقائه من شهداء الثورة الشبابية والحراك السلمي الجنوبي لم نكن اليوم في مؤتمر الحوار ولم يكن لأحد أن يناقش هنا في صنعاء القضية الجنوبية بكل شفافية وبدون سقفاً محدود .
إن ثورتنا الشبابية الشعبية السلمية جاءت لـ تعيد الاعتبار لليمن الأرض والإنسان الجنوب والشمال والمستقلين والأحزاب، جاءت تعيد الاعتبار لكل المقهورين والمظلومين جاءت لتقول للاستبداد كفى عبثاً بهذا الوطن وبمقدراته وخيراته، ولذا فقد كان من أول مطالب ثورتنا حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً ومنصفاً بما يرتضيه أبناء الجنوب .
لقد كانت وحدة 22 مايو السلمية أبرز شعارات أحزاب الحكم والمعارضة وكانت هدف الفرقاء السياسيين المختلفين، وتغنّى بها الشعراء والفنانون في كل حين، بل وخاض اليمنيون باسمها حروباً وصراعات دموية ما تزال آثارها ظاهرة للعيان حتى الآن !
لقد وقّع السياسيون في النظامين السابقين نظام الجمهورية العربية اليمنية ونظام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية اتفاقية الوحدة اليمنية في عدن بـأقلامهم، بينما كانت تلك الاتفاقية قد رسّخها جميع أبناء اليمن (شمالاً وجنوبا ً) في قلوبهم وكنّا شعباً واحداً في دولتين، ثم شُوهَت بحرب صيف 1994م وما تلاها من آثار جسيمة وخطيرة وقرارات اقصاء وتهميش اتّسمت بالانحطاط والبؤس الأخلاقي، فجاء شباب اليمن الثائر ليُسطر بنضاله وحدة يمنية وطنية من طراز جديد هي وحدة فبراير 2011م جَددوا سطورها بـدمائهم الطاهرة الزكية في كافة ساحات الوطن في صنعاء وعدن في تعز وحضرموت وسقط شباب الجنوب شهداء بالشمال وشباب الشمال شهداء بالجنوب وهكذا رسمت دمائهم الطاهرة الزكية الجمهورية الثالثة لليمن الحديث التي تبدأ ملامحها بحلا عادلا للقضية الجنوبية والتي لم نكن نحن كشباب طرف فيها، غير أننا وجدنا أنفسنا أمام تلك القضية العادلة وأمام وطن يمتلئ بالآهات ومفعم بالجروح .
جذور القضية :
عند تناول ظواهر وقضايا سياسية ذات خلفيات اجتماعية وجهوية مثل القضية الجنوبية – وإن كان مضمون هذا المفهوم لم يتبلوّر بعد بشكل موحّد لدى كل المتعاملين معه والقائلين به- لا بد علينا من العودة إلى الخلف عدة سنوات لمحاولة تلمّس الأسباب الحقيقية لمظاهر الغضب والاحتجاجات، وتقدير مدى جذريتها وآفاق مستقبلها بموضوعيه وتجرد، حتى لا نقفز على حقائق التاريخ، ونقراها في وضعها السياسي التاريخي في الجنوب منذ يوم الاستقلال 30 من نوفمبر 1967م، وعدم تعسف تلك الحقائق أو تجاهلها وعودتنا إلى ذلك التاريخ المبكر ليس مقطوع الصلة بـمشاريع سياسية حاضرة وبقوة اليوم في الشارع الجنوبي والحراك الجنوبي ولها اطروحاتها السياسية .
إن الحديث عن جذور القضية الجنوبية لا يعني بحال من الأحوال إدانة طرف سياسي أو اجتماعي أو محاكمة هذه الفترة التاريخية أو تلك ولكن يجب أن نبحث عن تلك الجذور بـهدف فهم صحيح للقضية الجنوبية يعترف بوجود أزمة حقيقية منذ عام 1967م .
وإن القضية الجنوبية ناتجة عن دورات الصراع السياسي والاقصاء والتهميش التي افرزتها تلك الفترة وألقت بـظلالها – كما هو معلوم – على أزمة الوحدة 22 مايو 1990م تم مرورا بحرب صيف 1994م وما لحقها من آثار كارثية .
أن القضية الجنوبية المطروحة اليوم على طاولة الحوار الوطني تعد قضية وطنية سياسية حقوقية بامتياز قضية وطن وإنسان ، بل هي قضية الإنسان قبل البنيان ، قضية بناء الدولة المدنية الوطنية الحديثة ،دولة المواطنة والشراكة الحقيقية ، التي تأخذ بالاعتبار الخصوصيات التي يتمتع بها ابناء الوطن جميعا، هذه القضية التي برزت منذ قيام أول كيان سياسي لجنوب اليمن مرورا بالأحداث التي تلت من 1969م و 1978م و 1986م وحتى 1990م وانتهاء بــ1994م وما بعدها …
ثم برزت القضية الجنوبية بسبب عدم وضوح الأسس التي قام عليها النظام السياسي لدولة الوحدة الاندماجية عام 1990م وما رافقها من تقاسم شريكي الحكم واستئثار قلة من المتنفذين على السلطة والثروة ، بسبب إعلان الوحدة التي جرى سلقها على عجل دون مراعاة الشروط الموضوعية والضمانات الحقيقية لنجاحها واستمرارها ، دون رؤية استراتيجية لبناء دولة الشراكة الوطنية بقواعد دستورية وقانونية ، وثبت ذلك في انتخابات عام 1993م حيث كان التقسيم الانتخابي للدوائر الانتخابية لا يلبي الشراكة بين الجنوب والشمال فقد اعتمد على الجانب السكاني وليس على الجانب الجغرافي . وتخللت الفترة ما بين 90- 94 سلسلة من الاغتيالات البشعة لكوادر شريك الحكم والوحدة .
وباندلاع حرب صيف 1994م ، هذه الحرب التي المنتصر فيها مهزوم، وما ترتب عليها من آثار حولت الوحدة من الشراكة الى حكم الفرد فألغى مجلس الرئاسة بعد الحرب، وغير وعدَل الدستور كثيرا، تلك التعديلات التي جسدَت سلطة الفرد الديكتاتورية، واصبحت الوحدة تعميما لنظام الجمهورية العربية اليمنية بعيدا عن الجمهورية اليمنية الوليدة، حتى رأينا فرض نظام المشايخ على مدينة عدن المدينة التي لا تعرف سلطة المشايخ …
إن الوحدة بعد حرب 1994م تحولت عند العديد من ابناء المحافظات الجنوبية الى وحدة ضم وإلحاق وهدم للمؤسسات الناجحة في الدولة التي كانت قائمة في الشطر الجنوبي ونهبا لثرواته وتسريحا لأبنائه من المؤسسة المدنية والعسكرية .
لقد كان واضحا منذ البدء أن السلطة التي اعتبرت نفسها طرفا منتصرا في الحرب لم تكن تفكر في إقصاء طرف معين واحد فقط ، بل هذا الإقصاء لم يكن الا خطوة على طريق التخلص من بقية القوى السياسية المشاركة معها في حرب صيف 94 وبالتالي التفرد بالسلطة وتكريس سلطة قمعية جهوية وعائلية وإن تلبست بالرداء الديمقراطي الزائف وأكثرت الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. وكانت المحافظات الجنوبية ساحة الحرب المدمرة وضحيتها الرئيسية وإن كانت آثار الحرب قد امتدت فيما بعد لتشمل أفقيا كافة مناطق اليمن ورأسيا كل المجالات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية .
كل ذلك صحيح ،وصحيح ايضا أن حرب 1994م، مثلت كارثة وطنية على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى العلاقات الوطنية في اليمن بشكل عام ، بما ترتب عليها من نتائج وما نجم عنها من آثار اقتصادية وسياسية وثقافية ونفسية ، لكنها أيضا كانت نتيجة لأسباب ارتبطت بالطريقة التي تم بها توحيد شطري اليمن عام 1990م وشكلت احد أبرز عوامل الضعف الذي اتسم بها النظام السياسي في اليمن بعد الوحدة ، فالقادة اليمنيون لم يكونوا بذلك المستوى من الإيمان والقناعة بالخضوع لنظام ديمقراطي تعددي سليم ، كما أن النظامان الشطريان موغلين في الممارسة الاحتكارية للسلطة والاعتماد على القوة المسلحة لضمان البقاء فيها . ولذلك كانت عملية توحيد اليمن بالصورة التي تمت هي الممكن الواقعي الوحيد يومها . وقبل بها كافة الشعب اليمني لعدم تفويت الفرصة التاريخية التي لاحت لتوحيد البلاد على أمل أن يتم إصلاح الاختلالات فيما بعد .
وهكذا حصل تقاسم السلطة بين حكام صنعاء وعدن آنذاك ، فجاءت الدولة الجديدة حاملة بذور الخلاف والتنازع. والأخطر أنها تأسست على أساس غير سليم لا يوفر شروطا صحيحة لإدارة دولة ديمقراطية ولمواجهة المشاكل التي تنتج بالضرورة عن دمج دولتين متناقضتين في جوانب عديدة ايدلوجيا واقتصاديا ، ولا يوجد في تاريخ علاقتهما ببعضهما ما يزرع الثقة اللازمة لإدارة الدولة الوليدة ، وكان منطقيا أن تتزعزع العلاقة بين الحكام المؤتلفين يومها عندما واجهوا استحقاقات العملية الديمقراطية – على ما فيها – وأن يفشلوا في بناء دولة للشعب وليس لأحزابهم ، أو مناطقهم وقبائلهم … وأن يصلوا في الأخير إلى مواجهة بعضهم بعضا اعتمادا على أن كل طرف حافظ على مقومات دولته السابقة – العسكرية والمالية والإعلامية – ليعود إليها حين الحاجة ! وعندما انهارت العلاقة بين طرفي السلطة حدث التمترس وراء الهويات الجهوية القديمة. ولا يمكن تجاهل الحقيقة المرة وهي ان السياسية التي اتبعها حاكم صنعاء كانت سياسية ممنهجة أرُيد من خلالها بسط نفوذ العائلة على اليمن عن طريق عدة مراحل وكانت اول تلك المراحل هي اقصاء شريك الوحدة وثم الانقضاض على الشركاء الاخرين حتى تفرد بحكم اسري مستبد ظالم …
إن الحديث عن النتائج الكارثية والمأسوية لحرب صيف 1994م لا يجب ان ينسينا (129) عاما من التجزئة السياسية في اليمن قد أسهمت في صناعة كيانين سياسيين : يمن جنوبي ويمن شمالي ، كما أسهمت الصراعات السياسية و العسكرية قبل الوحدة في تكريس هذا الاختلاف بين الدولتين والنخبتين الحاكمتين بصرف النظر عن حقيقة أن المواطنين لم يكونوا معنيين كثيرا بهذا التقسيم السياسي. لكن من المهم الإقرار بأن سنوات التجزئة خلقت جيوب انتماء وهوية هنا وهناك ، ومن ثم ما يزت بين نفسيات المنتميين لهذه الدولة او تلك . وعندما بدأت التركيبة الثنائية الحاكمة بعد الوحدة تفقد انسجامها الظاهري الذي بدت عليه في العامين الأولين ، لجأت الأطراف للحديث عن هويات متمايزة لهذه الجهة الجغرافية أو تلك …
أن تكريس القضية الجنوبية باعتبارها قضية وطنية إنسانية أخلاقية عادلة قضية الانسان الجنوبي اولا ، هو الاعتراف أن لها جذور قد لا تظهر بشكل واضح جدا تعود الى 30 نوفمبر 1967م ، في حين جذورها الواضحة تظهر بشكل بارز في احداث ما بعد 90م …والنظر الى تلك الحقبة التاريخية من بعد 67 سيجد انه قامت دولة لها الكثير من الايجابيات إلا أن اداءها السياسي اتسم بما هو شائع عربيا ويمنيا في ذلك الزمن بالشمولية والاقصاء ورفض الشراكة وعدم الاعتراف بالآخر وبحقه في الاختلاف والاعتماد على الأساليب البوليسية في التعامل مع المواطنين ، والمختلف معهم من ذوي التوجهات الفكرية والسياسية ، إلى جانب اعتمادها سياسيات وقرارات اقتصادية متهورة نالت من حقوق المواطنين وممتلكاتهم مثل تأميم المساكن والشركات والمصانع أو المعامل ، التي يمتلكها مواطنون جنوبيون ، وهناك أيضا الحقوق الوظيفية للألاف من الجنوبيين مدنيين أو عسكريين قبل 1990م الذين فقدوا وظائفهم – لأسباب سياسية – او تركوها ونزحوا إلى الخارج تاركين وراءهم كل شيء. وهؤلاء يستحقون أن تعود إليهم حقوقهم مثل غيرهم ممن جاؤوا بعدهم بعد 1994 م كل تلك المسائل من المهم جدا التعاطي معها بجدية وإعطائها أولوية في الاعتراف بها ، ورد الحقوق إلى أهلها لأنها حقوق مواطنين لم يكونوا يملكون سلطة أو نفوذ وما زالوا حتى الآن بعيدين جدا عن استعادة حقوقهم، وفرت تلك الثغرات في بنية دولة الاستقلال بيئة مناسبة لاستغلالها من اكثر من طرف من داخلها وخارجها على حد سواء في ارتكاب سلسلة أخطاء وخطايا افضت الى نتائج حرب 1994م المأسوية والكارثية .
وما لم تكن هناك نية شجاعة في الاعتراف بكل قضايا الجنوب دون استثناء في كافة مراحل التاريخ السياسي للجنوب ، والعزم على حلها حلا عادلا متساويا دون إهمال أو تجاوز أي واحدة منها ، تحت أي مبررات كانت ، هو قفز على القضية الجنوبية والسعي لحلها ، فأن المشكلة سوف تستمر لأن تكرار أخطاء الماضي لم يعد يفيد ـ والتطورات الأخيرة منذ 2007م بظهور الحراك الجنوبي السلمي ثم تطورات 2011 بالربيع العربي حيث تم كسر حاجز الخوف والصمت عند العرب عامة واليمنيين خاصة فتحت تلك التطورات الباب أمام كافة المتضررين للمطالبة بالإنصاف، واستعادة الحقوق، والعيش الكريم في إطار المواطنة المتساوية وما على السياسيين إلا الاستجابة ومعالجة اخطائهم والاعتراف بها والسعي لإنقاذ ما يمكن انقاذه وتلبية رغبة الشعوب بالعيش بكرامة وعزة وحرية والا سيكون مصيرهم كمصير من سبقهم من زعماء عرب منهم من قتل أو نفي وآخر يحاكم …الخ …فكلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته …والله يُمهل للظالمين ولا يهمل …
إننا شباب الثورة الشبابية الشعبية السلمية المستقلين ونحن نقدم رؤيتنا لجذور القضية الجنوبية ننظر بأسى إلى تركة تاريخية كئيبة لم نكن مشاركين فيها ، لكن كلنا أمل أننا نستطيع أن نصلح ما أفسد الزمن وننظر للماضي لأخذ العبرة منه فقط وعدم تكرار ما سبق، إننا نجدد العهد لله أولا ثم لشعبنا وشهدائنا وجرحنا ومعتقلينا أننا على دربهم سائرون وللأهداف التي رسمناها معا ماضون ، كما أننا نجدد الطلب لآبائنا وقادتنا السياسيين نناشدهم ألا يورثونا صراعاتهم ولا يورثونا خلافاتهم … فنحن اليوم امام مسؤولية تاريخية امام الله وامام الشعب…فدعونا ننظر للمستقبل بعين الأمل والمسؤولية .