موقف المسلم في زمن الفتن
هدى اليافعي*
جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين أنه قال: (سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا، تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا؛ فَلْيَعُذْ بِهِ).
ورواه مسلم بلفظ: (تَكُونُ فِتْنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْيَقْظَانِ، وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا؛ فَلْيَسْتَعِذْ).
وروى أبو داود وأحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ)، أي: الزموا بيوتكم، والحلس هو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب، شبّهها به للزومها ودوامها.
والناس في الفتن أنواع بحسب ما جعل الله لهم من العلم والتقى، فمنهم:
– المبعِد بنفسه، النائي عنها، لا يشارك فيها بقول ولا بسيف؛ لأنها فتنة.
– ومنهم المشترك فيها، الواقع فيها، ثم هؤلاء المشتركون أنواع، ليسوا على حال واحد من الاشتراك.
ومن أنواع الاشتراك في الفتنة:
* أن كثيرًا منهم يثيرها بلسانه، وهذا جلي بالذات في وسائل الإعلام التي صارت تحرّض على الفتن كثيرًا، و يهيجون الناس، ويثيرون بعضهم على بعض، وهمتهم وغرضهم أن يعمّ هذا الأمر جميع البلاد، وأن لا يبقى موضع إلا وقد دخلته.
* الاشتراك بالفعل والمباشرة والسعي الحثيث، الذي بيَّن عليه -الصَّلاة والسَّلام- أنَّ النَّاس فيه على تلك المراتب، لهذا حَقَّ على كثيرين من النَّاس قول النَّبي –صلَّى الله عليه وسلَّم- في الفتنة: ((مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ))، فتطلّعوا لها واشتركوا فيها، فوقعوا فيها، ويلقون الله مفتونين -نسأل الله العافية-.
* ومن أخطر أنواع الاشتراك في الفتنة على الإطلاق: أن يشترك أحدٌ من أهل العلم في تهييج النَّاس وتحريضهم، وإصدار فتوى تشوِّش النَّاس على بعضهم، وتحرِّضهم على سفك الدماء، وتحرِّضهم على التدمير؛ لأنَّ النَّاس إذا رأوا هذا المُقتدَى به يفتيهم؛ فإنهم يكونون على حال من الاطمئنان الشديد بأنَّ ما هُم فيه ما هو إلا نوعٌ من أنواع الجهاد، وأنهم يتقربون إلى الله بهذا الذي هم فيه مفتونون، ولهذا جاء في الحديث أنَّ “مَن أفتى بفتوى على غير بصيرة فالإثم على من أفتى”.
لماذا تحدث كل هذه الفتن …؟!!
حدوث الفتن في تأريخ هذه الأمة قَدَر إلهيّ – لا بد من وقوعه لِحكَم ندرك شيئًا منها، ويغيب عنا أكثرها، والواجب علينا التسليم المطلق لله عز وجل في كل أمر من الأمور، وأن هذا داخل في عموم الابتلاء الذي كتبه المولى جلّ وعلا على هذه الأمة بصريح قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} سورة العنكبوت : 2.
أخرج مسلم في كتاب الإمارة من صحيحه من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهو قبل الحديث السابق برقم (1844) قال عبدالله بن عمرو: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَن يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
.(( إِنَّهُ لَمْ يَكُن نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ)).
هل بعد هذا الابتلاء مخرج …؟!!
عن حذيفة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَن تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيًا، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَن تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا،
ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةٍ، ثُمَّ سَكَتَ)).
موقف المسلم ممن يدعونه إلى الخوض في الفتن وبالذات التي تسفك فيها الدماء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تكون فتن على أبوابها دعاة إلى النار، فأن تموت وأنت عاض على جذع شجرة خير لك من أن تتّبع أحداً منهم)).
في زمن الفتن تتغير الموازين التي يقاس بها الناس وبالذات من يتصدرون للكلام في شأن العامة .. فالذي كان قاتلاً .. سارقاً .. كاذباً قبل عدة سنوات سيصبح بطلاً تسفك لأجله الدماء .. وتهدم لأجله الأوطان … ومن كان صاحب علم وحكمة وورع وتقوى يُساء له ويكذب ويشتم .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.
سألتني أحد الأخوات: من الذي على الحق في الفتن التي يمر بها الوطن الغالي … القاتل أم المقتول ..؟!.
أجبتها: المقتول مظلوم لا شك إذا لم تكن عنده نيّة المبادرة لقتل قاتله .. وحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واضح في هذا الشأن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار)). قيل فهذا القاتل فما بال المقتول؟ قال إنه أراد قتل صاحبه.
ــــ
* رئيسة دائرة المرأة في اتحاد الرشاد اليمني