أهمية اللسان والإعلام
بقلم / محمد شبيبة
………………………………………………………………………………
كان عطية بن الخَطَفَى والد الشاعر الكبير جرير بن عطية شديد البخل، حتى أنه كان يرضع من ضرع الماعز مباشرة، مخافةَ أن يسمع احدٌ صوتَ الحليب فيأتي ،
لكن ابنه
الشاعر استطاع بلسانه وشعره أن يقلب الحقائق ويستر عيب أبيه ، ويفاخر به سبعين شاعراً، ويصرعهم الواحد تلو الآخر، ولم يصمد أمامه إلا الفرزدق والأخطل مع أنهما لم يسلما من شظايا كادت أن تكون قاتلة.
وقد أتىٰ على الشاعر الكبير- الراعي النميري – من جذوره، وهجاه حتى أنهاه، وأصبح كأن لم يكن، وأنهىٰ قبيلته من بعده بسبب وقفوه مع الفرزدق ومناصرته له بقصيدةٍ هجاء فيها جريراً قال فيها:
ياصاحبيا دنا الرواح فسيرا
غلبَ الفرزدقُ في الهجاءِ جريرا
فقصفه جريرٌ بقصيدة قال فيها هذا البيت الذي أطار جبهته:
وغض الطرف إنك من نُمَيرٍ
فلا كعباً بلغتَ ولا كِلابا
حتى أن قبيلة الشاعر النميري غيرت اسمها، وأصبحت تستحي من الإنتساب لجدهم نُمَير، ويقولون نحن من بني عامر.
ومدح جرير قبيلته بني تميم وأعلىٰ من شأنها، وسارت الركبان بقصيدة قال فيها هذا البيت التاريخي :
إذا غضبت عليك بنو تميمٍ
حَسِبتَ الناسَ كلهم غِضَابا
حتى قال خصمه اللدود (الفرزدق) وهو ينتمي لنفس القبيلة
تمنيت أن هذا البيت لي، ولو لم أنظمْ ثلاثةَ أرباع شعري
وهدد الفرزدق راوية شعر جرير واسمه (مِرْبَع) بالقتل ،
فقتله جرير بهذا البيت :
زَعمَ الفرزدقُ أنْ سَيَقْتُلُ مربعاً
أبشر بطولِ سلامةٍ يامِرْبَعُ
ومدح الخليفة عبدالملك بن مروان بقصيدة عظيمة قال فيها هذا البيت :
ألستم خير من رَكِبَ المطايا
وأندىٰ العالمين بُطُون راحِ
فاعطاه الخليفة مائة ناقة مع رعاتها ثم وبخ الفرزدق والأخطل، وقال لهما من أراد أن يمدحني فليمدحني بمثل هذه القصيدة.
وتفاخرت البنات واستلذ العشاق ببيته في الغزل حتى قيل أنه أفضل ماقيل في الغزل :
إن العيونَ التي في طَرفِها حَوَرٌ
قَتَلْنَنا ثُمَ لمْ يُحيينَا قَتْلانا
يَصرَعْنَا ذا اللب حتى لاحراك به
وهنَّ أضعف خلق الله إنسانا
هذا هو جرير الذي رأت أمه في منامها وهي حامل به كأنها تلد حبلا يلتف على أعناق الرجال ، وقد كان كذلك رحمه الله وغفر له زلات لسانه.