رؤية حول النظام القضائي مقدم إلى فريق الدولة من د. علي عبد الكريم
الفصل بين السلطات الثلاث, التنفيذية و التشريعية و القضائية يمثل الأساس الحقيقي لنشأة وتطور الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة, دولة العدل و المواطنة المتساوية وإحترام حقوق الإنسان.
القضاء المستقل أساس الوجود و التكوين المنشود للنظام القضائي الذي نريد في الدولة القادمة التي يسعى المؤتمر, مؤتمر الحوار الوطني للتوافق بشأنها و التي لن تكون إلاَّ دولة قوية عادلة بأنظمتها و عملها ذي المنزع المؤسسي وفي المقدمة مؤسسات النظام القضائي من محاكم ومجالس قضاء وهيئات قضائية, إبتدائيه و إستئناف وهيئات عليا تشهد إطاراتها وبناها المختلفة ثورة في الثورة التي يحدث عبرها تغييراً في الجوهر و ليس في الشكل لرسم معالم الطريق الصحيح لدولة النظام و القانون, دولة العدالة, إذ أن العدل كقيمة مطلقة هو ما يبحث عنة الإنسان في مجتمعنا المفتقد للعدل و العدالة في ظل أوضاع مجتمعية تحكمها الكثير من القيود المقيدة لفكرة العدالة الحقيقية من التوطن لتصبح ظاهرة يلمسها الإنسان, العدل مفتقد لأننا لانزال نعيش في مجتمع تحكمه الكثير من الإعتبارات التي تخدل مكانة وإحترام سيادة القانون في مظهر يعبر عن تدني مكانة ودور النظام القضائي ودورة المنشود في تحقيق العدالة حتى لا تصبح مُجرد تابع لسلطتي القوة و الثروة و المكانات و المصالح المجتمعية, إن طريق المستقبل الذي نترسمه و نتعهده بالدراسات المعمقة و الفاحصة في إطار مؤتمر الحوار الوطني يسعى كما بينت مداولاته خلال الفترة المنصرمة للوصول إلى مقاربات تحقق نوع من التوافق حول هوية وشكل الدولة و طبيعة نظامها السياسي و نظامها الإنتخابي و الإداري و أخيراً نظامها القضائي الذي يُكمل أسس بناء الدولة المدنية الحديثة التي سيتضمنها لا محال مشروع الدستور الجديد الذي سيضع مبادئه و أسسه فريق بناء الدولة و المهمة بالطبع ليست من السهولة بمكان و مصدر التعقيدات فيها ليس مرتبطاً بالقدرات النظرية و المعرفية للبناء الهندسي للنظام القضائي المطلوب, مصدر الصعوبة والتعقيد مرتبط بالوضع المعقد داخل البنيان الحالي للدول المرتبكة و طبيعة المصالح والقوى التي ستربك أي توجهات حقيقية تسعى لتغيير جوهر ما هو قائم حالياً إلى حالة بديلة تنتسب لدولة النظام و القانون, دوله تحترم بأجهزتها و أنظمتها ومؤسساتها مكانة القانون و القضاء المستقبل بمؤسساته المختلفة إذ من المعروف أن الدولة القوية العادلة لا تنأى بنفسها عن مصالح الناس عبر تحقق جوهر العدل المنشود, عبر مؤسسات و أجهزة قضاء عادل مستقل تسنده دولة تكفل نفاذ ما يصدر عن القضاء من أحكام, المشكلة التي نريد مغادرتها هي حالة ادولة الضعيفة الى حالة الدولة القوية الحريصه على إحترام هيبة وقوة القانون و أحكام القضاء وذلك لن يتحقق كما أشرنا إلاّ بوجود الدولة القوية ذات النظام القضائي المستقل المستند إلى مبدأ فصل حقيقي بين السلطات الثلاث, سلطة سن القوانين وسلطة تطبيق هذه القوانين و سلطة مُعاقبة المخالفات التي ترتكب ضد هذه القوانين أي حماية المواطنين من أي إساءه لأستخدام القانون وبما يؤدي لتعطيل دور النظام القضائي.
النظام القضائي الذي نسعى لترسيخ أسسه ومبادئه و إستقلال هيئاته إستقلالاً كاملاً في الدولة البديلة هو ذلك النظام الذي يحدد بوضوح ووفق مبدأ الفصل بين السلطات المذكورة و الأدوار المناطة بكل سلطة دون تداخل أو تضارب أو تنازع وبما يُؤثر على المراكز القانونية للمواطنين ويؤدي بالتالي إلى ضياع الحقوق وهو بالتالي نظام قضائي يحتوي من الضمانات التي تكفل إدارة ادارة الخلافات التي قد تظهر في الممارسة بين السلطات الثلاثة خاصه ونحن ندرك مخاطر الصراع بين السلطتين التنفيذية و التشريعية بما يؤدي إلى إختلال التوازن المفترض وجودة بشكل عملي بين هاتين السلطتين وخاصة إذا ما تضمن الدستور مواداً تقوي شوكة سلطة ضد أخرى أو إذا ما إستقوت السلطة التنفيذية بمكانتها وعبر حيلها البيروقراطية أضعافاً لمكانة السلطة التشريعية أو القضائية ولا يفوتنا هنا ونحن نبحث عن الصيغة المثلى لنظام قضائي له مكانته ودورة الفاعل كما علينا أن نشير أيضاً إلى مخاطر الصراع الممكن نشوبه بين السلطتين التنفيذية و القضائية خاصه في المسائل القضائية أو بالمسائل المتعلقة بالمثول و المساءله القانونية لأعضاء السلطة التنفيذية وهيئاتها المختلفة ضمن هيكل السلطة تأكيداً على أهمية وضرورة قبول هذه السلطة لتنفيذ أحكام القضاء.
في إطار النظام القضائي القادم بأن لا أحد فوق القانون وبما يعني بوضوح كامل بأن المسئولية السياسية و الموقع الإجتماعي ضمن هيراركية المجتمع التقليدي لا تفي عدم الخضوع للقانون و الإنصياع لمفاعيله.
إن النظام القضائي المستقل الذي نسعى إلية, هو النظام الذي ينتج ويحقق و يُرسي مبادئ العدل و العدالة وبما يجعل من القانون و قوته و ساحة القضاء ونفاذ إحكامها الضمانة لحقوق الإنسان و لحرية المواطن لأن القانون و الجهاز الذي يشرف على نفاذة وبما يصون حريات وحقوق الناس المتباينة وبما يؤدي إلى سيادة مبادئ الديموقراطية التي بدون وجودها تحت سقف كهذا ينتفي معه أي وجود حقيقي للدولة المدنية الحديثة.
إن النظام القضائي الحامي لجهاز تحقيق العدالة بمستوياتها المختلفة ضرورة لأبد منها ليصبح عنوناً حقيقياً لدولة النظام و القانون.
ولكن .. هلي يكفي أن نقول ونطالب ونكتب عن ضرورة إستقلال القضاء و أجهزته لينتهي دورنا عند هذا الحد !! أما إن المسئولية أعمق من ذلك .. الأمر هنا مرتبط كما قلنا بسعينا الدؤوب لإقامة الدولة التي نؤسسها على مقاربات تأخذ بإعتبارها طبيعة التباينات بين الفرقاء وأطراف اللعبة السياسية و القوى المجتمعية التي ستظل ترى في قوة النظام تهديداً لمصالحها وإضعافاً لمكانتها ..بناء الدولة المدنية الحديثة هو المهمة الأساس التي ستقوي عضد و إستقلالية مؤسسة القضاء و نظامه بشكل لا تشوبه شائبة ولا ننسى أن نشير إلى مسائل تحتل بُعداً جوهرياً بالنظام للنظام القانوني, البعد الذي يتحدد عبر مساقات دستورية تحدد طبيعة العلاقات بين النظام القضائي كهيئة مستقلة بجهاز الدولة بسلطتيه التشريعية والتنفيذية و التي ينبغي أن تُبنى على أساس إحترام مبدأ الإستقلاليه الكاملة و التي على ضوؤها تتحدد المسائل المرتبطة بقضايا تعينات القضاه وتحديد طبيعة العلاقات بين السلطة القضائية وباقي السلطات وبما يحول دون التدخل المخل بإستقلاليه النظام القضائي وهيئاته وتبعاً لذلك تحدد الجهه التي تخول حق الراقبه على أعمال الجهاز القضائي ومن له حق عزل القضاة وكافة الأمور المرتبطة بهيبة القضاء و إحترام إستقلاله.
أن النظام الذي ننشده هو النظام الذي تصب مخرجاته لتصحيح قواعد العدل المفتقد الذي تتأكله قواعد المنظومة المتكاملة للفساد في مفاصل الدولة البيروقراطية, تلك المنظومة التي لاتزال تكبل أداء أجهزة الدولة وفي المقدمة منها الدور و المكانة العالية المفترضه للنظام القضائي المرتبط حقيقة بوجود دول حقيقية يكون عنوانها البارز إحترام دور القضاء و إستقلالية مهامة المستوعبة لمكانة الإنسان و إحترام حقوق من خلال ضمان فعلي لأحكامة دون تمييز وتلك هي المهمة التي نريد للنظام القضائي أن يضمنها..