بدعة الاحتفال بيوم الغدير
بقلم / د. صلاح سالم الكلدي
من البدع التي ظهرت وراجت في بعض الأوساط الشيعية: الاحتفال بيوم الغدير في الثامن عشر من ذي الحجة، بزعم أنه اليوم الذي نصَّ فيه النبي ﷺ على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالإمامة والخلافة من بعده. فهل لهذا الاحتفال أصل في الشريعة؟ وما حقيقة حديث الغدير؟ وهل وقع فيه نص على الخلافة فعلاً؟
أولاً: حادثة غدير خم:
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي ﷺ في حَجّة الوداع، وبعد عودته من مكة، وقف في مكان يُقال له “غدير خم”، وهو بين مكة والمدينة، وألقى خطبة على الناس. ورد في صحيح مسلم (رقم 2408) من حديث زيد بن أرقم:
> «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر… ثم قال: ألا أيها الناس، إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله… وأهل بيتي…».
وفي بعض الروايات، قال النبي ﷺ:
«من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه»
(رواه الترمذي 3713، وأحمد 18439، وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” رقم 1750).
ثانياً: معنى “المولى” في الحديث:
اللفظة المحورية في هذه القضية هي كلمة “مولى”، وقد فسّرها الشيعة الإمامية بأن معناها: الخليفة، والإمام، والمُقدَّم على الأمة. لكن هذا الفهم يخالف السياق اللغوي والشرعي للحديث.
فالمعنى اللغوي:
لفظ “مولى” في اللغة العربية مشترك بين معانٍ عدة، منها: الناصر، الحبيب، العتيق، السيد، المولى من جهة الولاء، ابن العم، وغيرها. قال ابن الأثير: «والمولى يُطلق على كثير من المعاني، فيُراد به السيد، والمعتِق، والمعتَق، والمالك، والعبد، والناصر، والجار، والحليف، وابن العم، والصهر، والصديق…». (“النهاية” لابن الأثير 5/228).
السياق الشرعي:
جاء الحديث بعد واقعة حصل فيها شيء من النزاع بين علي بن أبي طالب وبعض الصحابة في اليمن، فأراد النبي ﷺ أن يُظهر فضل علي ونُصرته، فقال: “من كنت مولاه فعلي مولاه” أي: من كنتُ أحبَّه وأناصره وأقربه، فعلي كذلك.
ولم يفهم الصحابة من هذا الحديث أبدًا أنه نص على الخلافة، لعدة قرائن:
1. لم يُبايَع علي رضي الله عنه يومها بالخلافة.
2. لم يحتج علي نفسه بهذا الحديث لا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعدة استشهاد عمر رضي الله عنه.
3. بويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي ﷺ دون أي إنكار من علي في بادئ الأمر، ثم بايع لاحقًا كما ثبت في صحيح البخاري (3671).
4. 4- لم يفهم هذا الفهم أحد من أولاد علي ولا من أقاربه ولم يذكر عن أحد منهم.
ثالثًا: أصل الاحتفال بيوم الغدير:
الاحتفال بـ يوم الغدير هو عادة شيعية بحتة، بدأت في القرن الرابع الهجري تقريبًا، وظهرت في دولة العبيديين (الفاطميين)، وهم من الرافضة الباطنية الذين حكموا مصر وشمال إفريقيا. قال المقريزي في “الخطط” (1/490):
> «كان من جملة ما أحدثه الفاطميون في الدولة: الاحتفال بيوم الغدير، وكانوا يعطلون فيه الأسواق، ويُظهرون الزينة، ويُقيمون فيه المجالس، ويزعمون أن علي بن أبي طالب وُلِّي فيه الخلافة من قِبل النبي».
ويُلاحظ أن هذا العيد:
1- لم يُعرف في القرون الثلاثة المفضلة.
2- لم يحتفل به أحد من الصحابة ولا التابعين.
3- لم يرد له أصل في كتاب ولا سنة صحيحة.
رابعًا: حكم الاحتفال بيوم الغدير شرعًا:
أجمع العلماء من أهل السنة والجماعة على أن الاحتفال بيوم الغدير بدعة محدثة لا أصل لها، لعدة أسباب:
1. ليست من الأعياد الشرعية التي أقرها النبي ﷺ، وهي: عيد الفطر، عيد الأضحى، ويوم الجمعة.
2. الصحابة والتابعون لم يحتفلوا به، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه.
3. فيه تشبه بالرافضة الباطنية وموافقة لهم في شعائرهم المبتدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
> «وأما “يوم الغدير”، فليس له أصل في الشريعة، ولا فعله رسول الله ﷺ، ولا أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا أمر به النبي ﷺ، ولا استحبه أحد من الأئمة…»
(مجموع الفتاوى 25/299).
خامسا: الرد على شبهات الشيعة حول الغدير:
الشبهة الأولى:
حديث “من كنت مولاه فعلي مولاه” نص في الخلافة
الجواب:
الحديث صحيح في فضيلة علي رضي الله عنه، لكنه ليس نصًا في الخلافة. ولو كان كذلك، لما اختلف الصحابة بعد موت النبي ﷺ فيمن يخلفه، ولما تخلف علي عن بيعة أبي بكر في البداية ثم بايعه لاحقًا. ولو كان نصًا، لاحتج به علي في “الشورى” أو “صفين”، لكنه لم يفعل.
الشبهة الثانية:
حديث الغدير متواتر عند أهل السنة
الجواب:
نعم، الحديث صحيح وله طرق متعددة، ولا يبلغ حد التواتر وعلى التسليم بذلك فإن التواتر لا يساوي الدلالة على الإمامة، بل هو متواتر في ثبوت فضيلة علي، لا في كونه خليفة منصوصًا عليه. التواتر في المتن لا يعني صحة التفسير الشيعي له.
الشبهة الثالثة:
لماذا جمع النبي الناس في “غدير خم”؟
الجواب:
جمع النبي ﷺ الناس ليُظهر فضل علي بعد ما بلغَه من شكايات عليه في اليمن، وليس ليعيّنه خليفة، بدليل أنه لم يُطالبهم بمبايعته، ولم يوصِ به في وفاته، بل قال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» (رواه البخاري ومسلم).
والخلاصة مما سبق أن الاحتفال بيوم الغدير لا أصل له في الإسلام، بل هو من البدع التي أحدثها الروافض بعد انقطاع عصر النبوة والصحابة. وأما حديث الغدير فهو حديث صحيح يدل على فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لا على إمامته ولا خلافته. وقد تركنا النبي ﷺ على المحجة البيضاء، وأكمل الله لنا الدين، فلا مجال للزيادة عليه باختراع أعياد وشعائر جديدة. قال الله تعالى: > {اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا} [المائدة: 3].