1 – تم تسريح الآلاف من العسكريين بمختلف مستوياتهم وإحالتهم إلى التقاعد القسري وعلى نفس الخطى تم إقصاء الآلاف في الجهاز المدني بناء على تسييس الوظيفة مع استبدالهم بآخرين دون اعتبار للكفاءات والمعايير الوظيفية ومثل هذه الخطوة التي أقدمت عليها الدولة في ذلك الوقت من عسير التأويل أن تفهم في غير سياق الأعمال الممنهجة.
والواقع أن هناك أرقاما كبيرة تذكرها بعض الجهات غير المختصة وغير المستقلة يصعب الاعتماد عليها لسببين:-
الأول:- المكايدات السياسية المختلفة.
الثاني:- يعود إلى الأعداد الوهمية في المؤسسة العسكرية والمدنية والتي بنيت على تنافس الحزبين الحاكمين في الفترة الانتقالية بعد الوحدة.
2 – ونتيجة لبعض الممارسات الخاطئة لبعض القيادات في المحافظات الجنوبية سواء كانت بتوجيه أو من تلقاء نفسها وسوء إدارتها فيما يتعلق بالوظائف الإدارية أو الدراسات العسكرية والأمنية وحرمان كثير من الراغبين فيها من أبناء المحافظات الجنوبية تولد شعور دائم بغياب العدل والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات وسائر الوظائف وهو أمر حاصل في كثير من مناطق اليمن خاضع لاعتبارات غير موضوعية وغير عادلة.
الحراك الجنوبي:
وبناء على ما سبق من السياسات الخاطئة فقد بدأ الحراك الجنوبي في وقت مبكر عقب حرب 94م إلا أنه كان خافتا وضعيفا يتمثل في أفراد ومنظمات صغيرة لم يكن يلتفت إليها باعتبارها –حسب رأي السلطة- مرتبطة بمن فقدوا مراكزهم ومصالحهم بعد هذه الحرب ومع استمرار الأخطاء من قبل دولة الوحدة وعدم القيام بمعالجة آثار الحرب كان لا بد من ردود أفعال شعبية توسعت مع الأيام لتشكل ظاهرة الحراك في عام 2006م من خلال المتقاعدين من العسكريين قسريا ومن تبعهم من موظفي الخدمة المدنية.
وقد كانت بداية الحراك حقوقية محضة حيث وجد هؤلاء المتقاعدون أنفسهم عاطلين عن أعمالهم ومتضررين في أرزاقهم ومع تصاعد وتيرة الحراك وتعدد فعالياته الحقوقية وجد الطامعون في النفوذ ضالتهم, وسعوا لاستثماره سياسيا وتم تغذيته من قبل بعض أحزاب المعارضة التي فقدت مواقعها في السلطة حتى تحول تدريجيا إلى أن أصبح حراكا سياسيا قوبل من قبل السلطة بالقسوة في قمع المظاهرات والاحتجاجات السلمية على أن بعضا منها قد خرج عن طابع السلمية, مما أدى إلى حدوث ضحايا من القتلى والجرحى بأعداد غير قليلة مع ما صاحب ذلك من اعتقالات بين عامي 2007م وحتى 2013م
والمحصلة النهائية هو تعدد فصائل الحراك ولا سيما بعد أحداث الثورة الشبابية حتى بلغ أكثر من عشرين حراكا وإن كان بعضها قليل التأثير مقارنة ببقية الأقسام للحراك الجنوبي وفي هذه الأثناء برز إلى السطح عدة فصائل من الحراك ومنها:-
1 – حراك مؤتمر شعب الجنوب الذي يتزعمه محمد علي أحمد.
2 – حراك علي سالم البيض والمدعوم من إيران.
3 – حراك النوبة ومن معه.
4 – حراك عبد الله الناخبي ومجموعته.
5 – حراك الخبجي ومجموعته.
6 – حراك النهضة.
7 – حراك العصبة الحضرمية بقيادة عبد الله سعيد باحاج الذي يهدف إلى حق تقرير المصير لأبناء حضرموت باعتبارها –حسب رأيهم_ منفصلة في الأصل عن شمال اليمن وجنوبه ألحقت قسرا بــ (ج ي د ش) وذات هوية خاصة ويقوم على هذا الحرك مجموعة من السلاطين ورجال المال والأعمال في الداخل والخارج.
8 – حراك المهرة وجزيرة سقطرى تحت إطار المجلس العام لأبناء سقطرى والمهرة بقيادة السلطان بن عفرار المهري ويطالبون بإقليم مستقل حسب حدود ما قبل عام 67م ضمن دولة اتحادية ولهم تواصل دولي وإقليمي.
الحراك العدني الذي يطالب بشعار “عدن للعدنيين” ويعتبر أن الذين وفدوا إليها من الجنوب والشمال محتلين بما في ذلك مجاميع 67م.
وهناك حراكات أخرى وبعضها يتداخل مع بعض منها ماله صلة بأجندة الحكم الشمولي سابقا, وكثير منهم من ضحاياه.
ولا شك أن هذه المجموعات الحراكية وغيرها قد حركت كثيرا من المياة الراكدة وأصبح لها حضور بارز في المشهد السياسي, إلا أن اختلاف الرؤى والمنطلقات تشكل تحديات مستقبلية تستدعي الشعور بالمسؤولية وتغليب المصالح العليا للشعب اليمني في شماله وجنوبه بانتهاج سياسة عادلة مع ضرورة إدراك المخاطر التي تستهدف النسيج الاجتماعي والحرص على سلامته من التصدعات في ظل المطامع الخارجية.
إشكاليات الحراك الجنوبي:
من الطبيعي أن يكون لأي حركات سياسية تغييرية إيجابياتها وسلبياتها وأن يكون لها خطوات ثابتة وأخرى متعثرة, ومن هنا كان لا بد من تسليط الضوء على بعض إشكاليات الحراك الجنوبي السلمي حرصا على الاستفادة من الأخطاء السالفة ودعما لمسيرة التصحيح والاستقامة في المستقبل ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:-
1 – الخلاف الجنوبي الجنوبي:
يعتبر الخلاف الجنوبي الجنوبي عقبة في طريق النهضة والإصلاح وتحقيق الشراكة الفاعلة وهي نفسها ذات المعضلة المتكررة عبر عقود من الزمن وبعضها يعود إلى تراكمات ودسائس الاحتلال البريطاني وزرع بذور الفتنة وأكثرها يعود إلى حقبة الحكم الشمولي في ممارساته الخاطئة التي أفضت إلى سياسة الإقصاء والتهميش لكثير من المكونات السياسية الجنوبية.
وبالرغم من محاولات التصالح والتسامح التي قامت بها بعض الفئات الحراكية ابتداء من مبادرة شخصيات اجتماعية وسياسية من محافظة عدن وأبين وشبوة وحضرموت عام 2000م لردم فجوة أحداث 13 يناير والتي ذهبت إلى محافظة الضالع للتضامن مع ثلاثة أشخاص قتلوا على أيدي جهاز الأمن المركزي وما تبع ذلك عام 2006م من تأسيس جمعية ردفان للتصالح والتسامح, وأخيرا المهرجان الجماهيري بداية عامنا الحالي في 13 يناير ونحو ذلك من الجهود الرامية إلى تلطيف مناخات الصراعات في الجنوب.
بالرغم من هذا كله إلا أن العمل الجاد للتصالح والتسامح لم يجد طريقه إلى المسار الصحيح والذي يتطلب تأسيس لجنة تحضيرية من جميع القوى السياسية والاجتماعية وغيرها بما في ذلك السلاطين وأنصار جبهة التحرير والعلماء وعموم المكونات الجنوبية دون الاكتفاء بتصالح النخب التي كانت سببا في مظالم الشعب مع غياب الضحايا وهم فئات كثيرة من أبناء الجنوب في الحقبة الماضية من القتلى والمفقودين والمصابين والذين تضرروا في ممتلكاتهم وأموالهم وأهدرت حقوقهم, مع ضرورة الحذر من أن هناك فئات منتفعة لا تريد أي جهود للمصالحة الوطنية ولا حلا للقضية الجنوبية أصلا لشعورها بفقدان مصالحها في حال ما إذا تمت مصالحة حقيقية بين أبناء الجنوب.
2 – مخاوف من إعادة انتاج الصراعات:
ومن المخاوف التي لا بد أن يكون فيها قدر من التناصح والمكاشفة مسألة إعادة انتاج صراعات الجبهة القومية وما مارسته من إقصاء وتهميش واستبداد لكن هذه المرة بصورة مختلفة ومسميات جديدة وهذا الاستنتاج له ما يبرره من خلال المظاهر الآتية:-
- وجود شخصيات حراكية لا تزال تفكر بعقلية الستينات غير مدركة للتطورات الموضوعية ثقافيا وسياسيا واجتماعيا في المنطقة.
- تبادل الألفاظ والمصطلحات العتيقة التي صاحبت قيام الجبهة القومية من التخوين والاتهام بالعمالة وبيع الجنوب لمجرد خلافات سياسية قابلة للأخذ والعطاء وفي ذلك مؤشر خطير على العودة إلى الماضي وتحقيق مقولة “التاريخ يعيد نفسه”
- وجود أعمال عنف بين بعض المجاميع الحراكية وهي وإن كانت قليلة إلا أن هناك مخاوف من تناميها واستصحاب صراعات الماضي وبخاصة إذا تدخلت قوى إقليمية ودولية لتغذيتها بناء على تصفية حسابات أو الحرب بالوكالة أو على قاعدة “الفوضى الخلاقة”
- ادعاء التمثيل الحصري للحراك الجنوبي من قبل بعض المجموعات.
- دخول أجندة إقليمية ودولية لها حساباتها السياسية لتغذية بعض مجاميع الحراك التي لا تمانع من المتاجرة بالقضية الجنوبية وفق مصالحها الخاصة دون أن يكون لديها مشروع سياسي أو خارطة طريق محددة لحل القضية الجنوبية.
- سياسية الإرهاب والترويع التي تمارسها بعض المجاميع الحراكية ضد أبناء الجنوب ممن يخالفها في الموقف من الوحدة وقد لوحظ هذا في انتخابات رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي وما أقدمت عليه بعض المجاميع الحراكية من الوعيد والتهديد والتخويف والتعدي على الذين أرادوا ممارسة حقوقهم الدستورية ونظير هذه الممارسات- التي يظهر فيها الاستبداد بالرأي -كثير.
ولم يكن بعيدا عن الاتهام والترويع بعض المشاركين في الحوار الوطني اليوم من قبل بعض هذه المجموعات.
- فرض العصيان المدني بالقوة وتعطيل مصالح المواطنين في مجال التجارة والعمل والتعليم وغير ذلك.
- قيام بعض مجاميع الحراك بعملية الشحن والتعبئة وبث الكراهية عبر منابرهم الإعلامية ومهرجاناتهم ومظاهراتهم, وتوظيف بعض التوجهات الإسلامية في الجنوب عبر منابر بعض المساجد ونشر الفتاوى الشاذة بتكريس لغة التشاحن والكراهية لكل ما هو شمالي واعتبارهم محتلين يجب السعي إلى التخلص منهم, وبالمقابل تقاعس كثير من العلماء والخطباء والمفكرين والمرشدين عن القيام بدورهم في التوعية إما خوفا على أنفسهم من التعدي عليهم من قبل تلك المجموعات, أو التخوف من المستقبل الذي قد يجعلهم تحت طائلة الاتهام والمسائلة لمجرد ابداء آرائهم استصحابا لأيام الحكم الشمولي.
مع أننا نؤكد على وجود أصوات علمية ودعوية وسياسية وفكرية تقوم بواجبها وتصدع بقناعاتها.
- قيام بعض الجهات الحراكية بالتعدي على بعض الباعة والعمال من أبناء المحافظات الشمالية وإحراق محلاتهم والقتل والضرب لبعض الشماليين وقطع الطرقات, وهو ما يعني غياب معاني التحضر وعدم إدراك المسؤولية أمام الله تعالى والاتجاه إلى النعرات والعصبيات الجاهلية والمناطقية التي حرمها ديننا الإسلامي الحنيف القائم على مبدأ “إنما المؤمنون إخوة” وتأباها قيمنا وعاداتنا الحميدة كما أن مثل هذه السلوكيات تأباها جميع النظم البشرية لما فيها من إهدار لحقوق الإنسان, والتعامل العنصري المقيت وهي سلوكيات لا يرتضيها عامة أبناء المحافظات الجنوبية لكنها إذا لم تعالج وتوأد في مهدها قد تؤدي إلى كوارث وانتهاكات يعجز عن حلها العقلاء والحكماء فيما بعد.