كتابات

الأمور بمآلاتها

بقلم / د. عبدالله_النهيدي
والسياسة جزء كبير منها بُعد النظر، إن لم يكن السياسة كلها, بغض النظر عن سلامة الموقف الحالي من عدمه، لكن في آيات كثيرة تطلب النظر للمآل لكي لا يصاب الناس بالإحباط، { وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً }.
{وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم}.
وقتما يكون المسار صحيحاً, والقرار صائبا, والقيادة ناجحة وناضجة, والرياح تجري بما تشتهي سفننا, يكون الكلام عن التفاؤل ضرباً من الترف الفكري, لكن عندما تحيط بك الأزمات من كل جهة, وتتوالى المصائب من كل مكان, وترى وضع الأمة لا يسير على الوجه المطلوب, هنا يأت دور الكلام عن التفاؤل, وزرع الأمل عند الناس, والنظر إلى سنن الله الثابتة بين الابتلاء والتمكين, { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً } بينما الطرف الآخر الضعيف المتشكك, الذي لا يعمل إلا في الظروف المريحة فقط, والذي انهزم من داخله, ويتحين الفرص ليبث ما بداخله, من شك واضطراب, فيقول: { ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا }.
غالباً ما يكون الموقف الحالي صعب، وصعبٌ جداً، لكن لكي لا نفقد الأمل، ولا نصاب بالإحباط، يأتي التوجيه الرباني، في القرآن كما سبق، أو على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، ( والله ليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله….. ولكنكم قومٌ تستعجلون)، لا تعطني أي معلومات عن وضعنا الحالي، فكله مزري، لكن الحياة لن تتوقف، والصراع لن يحسم من موقف، جولة من جولات الصراع، لو خسرناها فلن نخسر ما بعدها، ولن يظل المشهد كما هو، ثقتنا بالله عظيمة، وإيماننا بعدالة قضيتنا لا يتزحزح، فلا تظن أن أحداً سُر بما حصل، لكن الهزيمة كل الهزيمة هي الاستسلام النهائي، فلا الحق سيخضع خضوعاً نهائياً، ولا كذلك الباطل سيخضع للأبد، وسيظل الصراع، ما بين ثنائيات الخير والشر كلها، ومن ساءه زمن سرته أزمان،
توجيهات القرآن الكريم غاية في اللطف وقت الأزمات، وغاية في المعالجة الدقيقة للخلل، { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون …}.
ما ود العدو إلا أن يظفر منا بمثل حالتنا اليوم، لكن هيهات،
مآلات الأمور لا تقررها أنت، ولا يقررها كذلك العدو، وقد يدركها القائد، وقد لا يدركها، في الحديبية رأى المسلمون صلحاً مجحفاً، لدرجة أنهم تباطأوا عن امتثال أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، ولك أن تتصور أصحاب رسول الله صلى الله عليه الذي كانوا قبل ساعات بوصف أحد المفاوضين من الجانب الآخر يصفهم بقوله: زرت النجاشي وقيصر وكسرى, فلم أجد أحداً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمدٍ محمدا, (عروة بن مسعود)، وها هو صلى الله عليه وسلم يقول: هلك المسلمون أمرتهم فلم يمتثلوا،
في الحديبية كان الظاهر هو اتفاق استسلام من طرف لطرف، والغريب أنه من الطرف الأقوى للطرف الأضعف، لم يبق أحد من ١٥٠٠ صاحبي ينظر لهذا الاتفاق إلا على أنه استسلام، عدا النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، حتى الرجل الثالث في الإسلام كله يقول: علام نعطي الدنية في ديننا، أليسوا المشركين, ألسنا المسلمين, أليسوا على الباطل, … ألخ, فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: أمر الله ولن يضيعني، وكأنه يقول لهم اصبروا حتى تروا مآلات الأمور، يقول سهل بن حنيف: اتهموا رأيكم, لو رأيتني يوم الحديبية لو استطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لردتته,
بلغ التنطع في معسكر المشركين حداً لا يطاق, لدرجة أنهم لم يتنازلوا حتى على الأمور الشكلية في صياغة الاتفاق، فيرفض علي بن أبي طالب التعديل فيعدلها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، كتب بسم الله الرحمن الرحيم فرفضوها وقالوا اكتب بسمك اللهم، كتب هذا ما عاهد عليه رسول الله فرفضوها وقالوا اكتب اسمك واسم ابيك فوالله لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك، يرتمي ابن المفاوض – أبو جندل – بين المسلمين فيرفض سهيل بن عمرو توقيع الصلح إلا أن يشمل ولده، فيترجاه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله اتركه لي فيرفض، أما لو قدر لك أن تكون أحد الحضور يومها لكنت المعترض الأول لما جرى.

زر الذهاب إلى الأعلى