كتابات

وقفات قبل الحوار الوطني

صلاح بن سالم الكلدي
صلاح بن سالم الكلدي

صلاح بن سالم الكلدي*

تمر بلادنا اليمن بمنعطف خطير، وتعتريها عقبات كبرى، فقد أصاب بنيها فرقة واختلاف أدى إلى انفصام روابط الإيمان وإخوة الدين، وأصبحت الروابط تنبني على تعدد انتماءاتهم الحزبية والمناطقية والمذهبية والفكرية، ونحن هذه الأيام على أبواب الحوار الوطني الشامل، وكلنا يدرك أهمية الحوار، وأنه من أكبر الأسباب التي تعين على القضاء على الخلاف، وتصلح بين المختلفين، وقد أمرنا ربنا سبحانه بمجادلة الكفار أهل الكتاب مع أنهم ليسوا على ديننا فقال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)، وقال عز من قائل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، فبالحوار تتقارب وجهات النظر، وبالحوار يفهم كل من الخصمين خصمه، وبالحوار يتبين الحق من الباطل، وبالحوار البناء الصادق يعرف الناس الصواب من الخطأ.

ولكن هناك أصول وملاحظات لا بد أن يدركها من يقومون بالحوار، حتى يكون الحوار حواراً بنَّاءً، يصل بعده المختلفون إلى بر الأمان، وإلى نقاط الاتفاق، وهي كالتالي:

1-  أن يكون الحوار الوطني تحت سقف الشريعة الإسلامية

نحن شعب مسلم ندين بالوحدانية والألوهية لله تعالى، فمن الأمور البدهية أن كل أعمالنا وأقوالنا تكون وفق الشريعة الإسلامية، قال تعال: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)، وهذه القضية هي الأساس التي يقوم عليها الحوار الوطني، ولا مجال للنقاش فيها، فإليها يرجع المختلفون في الحوار، ولا إلزام ولا التزام إلا بما يوافقها، ويجب اعتبار كل ما يخالفها باطلاً مردوداً، ولا يترتب عليه أي أثر شرعي ولا قانوني.

 ومعنى قولنا أن يكون الحوار تحت سقف الشريعة الإسلامية: أن الشريعة هي الحاكمة وإليها مرد المختلفين، قال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر).

وقد يقول بعض الناس: إن هناك أموراً إدارية فكيف يكون الحوار فيها تحت سقف الشريعة فنقول: إن هذه الأمور الإدارية قد نصت الشريعة على أن الأصل فيها الإباحة والعرف الذي يمشي عليه الناس وفي الحديث (أنتم أعلم بأمر دنياكم).

والمقصد المهم ألا تخرج مقررات الحوار عن الثوابت الإسلامية.

2- تشكيل لجنة لتكون مرجعية للحوار

يجب تشكيل لجنة متخصصة من العلماء بالشريعة، وتتبعهم لجنة استشارية من خبراء القانون والفقه الدستوري لمراجعة مواد الدستور لضمان مواءمة جميع مواده مع أحكام الشريعة الإسلامية، ووضع المواد التي تضمن حق الشعب في امتلاك السلطة وتمنع الظلم والاستبداد بحيث يتمكن الشعب من اختيار الحاكم المستجمع للشروط الشرعية ومراقبته ومحاسبته وعزله عند الاقتضاء، وفي هذا الشأن يمكن الرجوع إلى كتاب  الشيخ عارف الصبري عن الحوار للاستزادة والفائدة.

3- أن تناقش القضايا الوطنية الكبرى

فالحوار فرصة لأن يتقارب الفرقاء والخصماء، فكان لا بد أن توضع القضايا الوطنية الكبرى للحوار كالقضية الجنوبية، وقضية صعدة والدستور ونحو ذلك من القضايا الكبرى التي تهم الشعب اليمني، والتي قد يؤدي عدم حلها إلى خلاف كبير وربما إلى فتنة وأزمة في البلاد. أما القضايا الهامشية والتي لا توجد إلا نادراً، وفي بيئات محدودة كزواج القاصرات وما أشبه ذلك فلا داعي لوضعها للنقاش وإضاعة الوقت والجهد في ذكرها، لأنها قضايا نادرة، وتحل في مجالس أخرى.

4- رعاية مصلحة العامة

أن يكون القصد من الحوار أولاً وآخراً هو النظر إلى المصلحة العامة، وهي مصلحة اليمن العظمى، بالحفاظ على هويته وسيادته وحقوق شعبه، أما إن كان المقصد من الحوار هو رعاية مصالحنا الشخصية، الحزبية أو المناطقية أو المذهبية، فلنعلم من الآن أن هذا أمر باطل، وما بني على باطل فهو باطل، وعندئذ لن نصل إلى نقطة نتفق عليها، ولن يجتمع الفرقاء، ولن يرأب الصدع الموجود في البلاد.

هذا ونسأل المولى سبحانه أن يهب لنا من لدنه رحمة، ويهيئ لنا من أمرنا رشداً، ونسأله سبحانه أن يوصل اليمن إلى بر الأمان، وأن ييسر لليمن من يحكمها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عضو الهيئة العليا –  رئيس دائرة التوجيه والإرشاد في ‏اتحاد الرشاد اليمني

Alcaldi70@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى