كتابات

في لحظة إنهزام

12142233_923829064318995_54056451_n

صدام الزبير

 

تكون في لحظة انهزام، تقود الصدفة شاب من قرية ريفية بعيدة، ينظمّ إلى المكان، تمضي ساعة ونيف من الحديث الهامشي هنا وهناك، هو عائد لتوه من غربةٍ في البلاد البعيدة، وأنت عائدٌ لتوِّك من انكسارات عميقة ضربت الروح فلم تتركها لنهايةٍ تليق باندثار تلويحات الانسان. كان يبدو بسيطاً في مفردته وقراءته لمدونة اللحظة، وكنت تمارس طقوسك المعتادة في تغريبك بعيداً عن كل هذا العالم، لمّا تكون الساعة على مشارف الثالثة عصراً، كل شيءٍ كان يُمهِّدُ لمفاجآتٍ في طريقها للتشكل، لا مجال في هذا المنشور إلا لفاصلةٍ واحدة ومصادفة واحدة ومآلات تعيد الروح إلى الاشتعال مجدداً، بعد 70 دقيقة من الحديث الودي الحذر بين أشخاص لمّا يتعارفوا أكثر، ولا يعرف أحدهم اسم الآخر.   تمر النهارات كلها دفعة واحدة، وينسكب مطر في الخارج، منعكساً كمهرجان جليد على زجاج نافذة ألمنيوم بيضاء أنيقة هي الوحيدة في المكان في سياق تشكيلٍ لوني بسبب رشح المطر، أحد ثلاثة يسأل رابعاً في شئون الابداع والحياة، غير أن الأخير تنهّد قليلاً ثم قال: “في كاتب مجنون اسمه…… لي أمنية في الحياة أن ألتقيه”… لا يدري، انني عدت من مقبرة، ونفضت عن كاهلي غبار وطين وصخر وبسرعةٍ فائقةٍ غيّرت من مواجعي وضاعفت من انكساراتي، قبل أن أقول له، وسط صمت واستلهامات لا تنتهي: “أنا أعرفه.. كان كل صباحٍ يمنحني ابتسامةً حزينةً ولا يعود إليّ إلا مساءً، كي يسحب نصف ابتسامته التي دفع بها إلى روحي، صباحا”ً. وأضيف -بينما المطر ينتهي رويداً وتنسحب على الشارع الأسفلتي بقايا حياة بللها الشجن-: “كنت أعرفه.. كان جاراً لنا في حارتنا، كنا نلتقي بين فترة وأخرى، كان صامتاً كقنديل مطفأ، كان صاخباً كبركان متقد، كان شاحباً كجبال سيريلانكا، كان عازفاً عن كل شيء.   كان منجذباً للفتنة في طلوع المكان، كان يكتب في صمته وعلى الورق وعلى قصاصات كراتين وفي حائط فيسبوكي، لكنه فاشل وأنصحك بأن تحذفه من فيس بوك ان كان صديقاً لك هناك”. عند الثامنة و47 مساءً، أحمل 3 أكياسٍ بيض، هي ما أحمله ذهاباً وعودةً منذ الثانية بعد الظهر، كل يوم، في طريقي إلى البيت، وأسمع تمتمةً على الأرصفة اللامرئية: “كان مجنوناً وكنت تذكرنا بالفتى القروي الذي لم نعد نراه منذ مليون سنة كاملة!”.

زر الذهاب إلى الأعلى