عامان على الثورة اليمنية .. عوائق الحوار الوطني المنشود – د. سمير الشميري
معهد العربية للدراسات .. د. سمير الشميري*
يشكل الحوار الوطني منطلقاً للخروج من الأزمة في يمن ما بعد الثورة في 11 فبراير، التي يمر عليها عامان الآن، ورحيل صالح عن السلطة واستلام عبدربه منصور هادي لها بعد الانتخابات الرئاسية في 21 فبراير العام 2012.
وسينطلق الحوار الوطني – كما هو معلن في 18 مارس 2013 بعد أن كان مقررا في نوفمبر سنة 2012، هو ما ينقسم الشارع في اليمن بصدده إلى ثلاثة معسكرات, منهم من يقبل الحوار بدون شروط, ومنهم من يقبل الحوار بشــروط وفصيل ثالث يرفض الحوار، لا تخلو من فعل الماضي القريب وآثار مسؤوليه كما لا تخلو من تدخلات وأجندات غير يمنية في أحيان أخرى، كما تكشفه قضية السفينة الإيرانية في يناير العام 2013 والتي تقدمت الحكومة اليمنية بطلب للأمم المتحدة للتحقيق في 8 فبراير الماضي، ولكن هل الخارج وحده هو المشكل أم أن ثمة عوامل سياسية وثقافية عديدة تعوق الحوار الوطني المنشود في اليمن بعد عامين على ثورتها.
في الرابع من فبراير الماضي العام 2013 حذرت توكل كرمان الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل من انهيار العملية الانتقالية في ضوء انقسام الجيش، واستعادة الرئيس السابق علي صالح لنفوذه السياسي والعسكري، وطالبت كرمان في تصريحها لقناة العربية بضرورة خروج صالح من اليمن لمنع انزلاقه في أتون صراع جديد، نتيجة تعثر العملية الانتقالية كما طالبت المجتمع الدولي ودول مجموعة العشر الوسيطة في التسوية السياسية بسرعة التدخل لمنع انهيار العملية الانتقالية، وإبعاد الرئيس السابق من الحياة السياسية وإخراجه من البلاد، كما لوحت الناشطة توكل كرمان باحتمال العودة إلى الشارع لاستئناف الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات لمنع الالتفاف على ثورة الشباب اليمني، وانتقدت التحضيرات الجارية لمؤتمر الحوار الوطني والخاصة بإشراك الشباب والمرأة والمجتمع المدني في الحوار، ولوحت بالانسحاب من المؤتمر إذا استمرت عملية إقصاء شباب الثورة من المشاركة في الحوار.
وهكذا يتأزم الحوار الوطني المنتظر ليظل الانتقال المتعثر في اليمن، ولا يزال صالح باقيا رغم أنه راحل، فاعلا في المجال السياسي اليمني رغم أنه لم يعد الرئيس، ولا زالت الفصيلية والقبلية الاجتماعية والسياسية والاختلاف بين السياسي والثوري، بين القوى التقليدية والشباب في اليمن، وبين النوايا والأفعال عوائق منظورة وغير منظورة في مسار الثورة اليمنية، التي يتهددها الانتقال المتعثر كما تهددها كل فترة حوادث الإرهاب والعنف، ويعيق تجفيف منابع الفساد وروافد العنف وإرساء مداميك الدولة المدنية الحديثة، التي كانت غاية الثورة اليمنية, وأصبحت الثورة عبارة عن شعارات صاخبة وألحانا تمجــد الحرية وآدمية الإنسان دون واقعية تعكسها.
القوى السياسية والحوار الوطني
في اللحظة الراهنة نعيش ظروفاً عصيبة متموجة يسيطر عليها الكمد والتعاسة والإحباط , فمنـذُ تنحية الرئيس السابق/ علي عبد الله صالح من الحكم في 23نوفمبر 2011م على خلفية الثورة الشعبية اليمنية والمبادرة الخليجية, لم تحدث الثورة هزة عميقة في كيان المجتمع ووجدانه بل ساءت الأوضاع وتراجعت الخطوات إلى الوراء وتم استبدال صور بأخرى وحدثت تغيرات طفيفة بصورة فسيفسائية لم تخترق عُتمة الواقع الأليم, وما زال المواطن اليمني يعيش مكابدات وجودية هائلة وفوضى وجوع وأوجاع وتعاسة وخوف وكآبة تستبد بحياة الناس ولا زال الفساد والتشظي والاحتقان عنوان بارز في إيقاع حياتنا ولا زالت الشخصيات الكابوسية المؤلمة لضمير ووجدان الإنسان هي المسيطرة على المشهد السياسي وعلى تفاصيل الفضـاء العام.
والنخب السياسيــة منقسمة ما بين معارض ومؤيد للحوار , ويمكن في هذا السياق أن نبين موقف ثلاثة اتجاهات من الحوار في المشهد السياسي العام :
الاتجاه الأول: تأييد الحوار:
هذا الاتجاه مع الحـوار دون شروط , فهو يرى أنه يمكن مناقشة جميع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والأمنية الملحة ومسألة دمـج المؤسسات الأمنية والعسكرية وبناء مؤسسات الدولة وتطوير التجربة الديمقراطية والقضايا العامة الأخرى دون تحفظ , على أن يطرح كل طرف ما لديه من إشكاليات بطريقة ديمقراطية سوية .
ويمثل هذا الاتجاه الراغب بحوار دون شروط القوى السياسية التقليدية المتمثلة برجال العهــد القديم الذين قبضــوا على السلطة فترة زمنية طويلة وزُمر سياسية ومدنية وعسكرية وقبلية متواجدة في إطار المؤتمر الشعبي العام ( الحزب الحاكم ما قبل الثورة ) , وجماعات قبلية ودينيــة وعسكرية منخرطة في إطار التجمع اليمني للإصلاح الذين شاركوا بفعالية في حرب صيف 1994م وكونوا تحالفاً قوياً مع المؤتمر الشعبي العام للقضــاء على الحزب الاشتراكي وسلطته في الجنوب ومارسوا سياسيات يغلب عليها التآمــر والمكر السياسي وعدم احترام المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات .
وأنصار هذا التيار يتواجدون اليوم في الســــلطة وخارجها .
الاتجاه الثاني: اتجاه الحوار المشروط:
يرى الاتجاه الثاني أن الدخول في الحوار الوطني في ظل أجواء مشحونة بالشك والريبة والترقب وانعدام الأرضية المناسبة لحوار وطني جاد, وعلى رأسها الأوضاع السياسية والأمنية المتردية , وبقاء الأوضاع على ما كانت عليه في السابق وكأن شيئاً لم يكن, لا يعطي انطباعا ًسليماً لدى الاتجاهات الأخرى, وإن القابضين بزمام الأمور ليس لديهم مصداقية في دخول حوار وطني جاد , وإنهم غير مستعدين لتنفيذ ما سيتم الاتفاق حوله في الحوار الوطني ,فهم يدفعون بقوة للانخراط في سجال عقيم واستثماره في خطاب تهييجي دعائي للتملص من الاستحقاقات الديمقراطية والتنموية والإصلاحية.
فحياتنا مترعة بالحوارات والاتفاقات والمواثيق التي أبرمت على ضـوء الحوارات السابقة لم ينفــذ منها أي شيء ,وأنه بعد كل حوار جاد ندلف في تطاحنات وأزمات مريرة تلجم تنفيذ الاتفاقات التي تم الاتفاق عليها وأبرز مثال على ذلك الحوار الذي تم في 12 نوفمبر 1993م- وحتى 18 يناير 1994م وأفضــى في نهاية المطاف إلى توقيع وثيقة العهد والاتفاق في 20/فبراير/1994م في عمان –الأردن بحضور محلي وإقليمي ودولي . وتوقيع الاتفاقية لم يؤد إلى أمن واستقرار بل أدى إلى نشوب حرب صيف 1994م والتنكر لوثيقة العهد والاتفاق من قبل الأطراف السياسية القوية التي أشعلت الحرب للتخلص من بنود الاتفاقية التي وضعت الأصبع على الجرح ورسمت معالم الطريق للخروج من الأزمة السياسية المستفحلة في اليمن .
لذا فإن هذا الطرف يطالب بإجراءات أساسية تسبق الحوار الوطني وتمهد الطريق لحوار صادق تفتح فيه كافة الملفات الشائكة وللتوصل إلى حلول معقولة توقف نزيف الدم وحركات الانهيار القوي في نسيج المجتمع والمؤسسات وهياكل الدولة .
ويمثل هذا الفصيل الأحزاب السياسية أحزاب اللقاء المشترك الذي يضم في إطاره ( الحزب الاشتراكي اليمني , التجمع اليمني للإصلاح ” الأخوان المسلمين ” , التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري , حزب الحــق , إتحاد القوى الشعبية , حزب البعث العربي الاشتراكي ) , ومنظمات المجتمع المــدني, والوجوه السياسية والاجتماعية والثقافية المتنورة وبعض فصائل الحراك الجنوبي التي تنادي بالفــدراليــة وعلى رأسهم : الرئيس السابق علي ناصر محمد , ورئيس الوزراء الأسبق المهندس حيدر أبوبكر العطاس .
الاتجاه الثالث: رفض الحوار:
رفض هذا الفصيل جملة وتفصيلاً الحوار الوطني ولا يرى بارقة أمل في مسألة الحوار , ويؤكد أن القوى القابضة بزمام الأمور حريفة في المكر والتلاعب ولها تاريخ مترع بالكــذب والفهلوة وعدم المصداقية , ويؤكد هذا الفصيل أن لا حل للقضية الجنوبية إلا فـك الارتباط , وقيام حوار ما بين الدولتين الشمالية والجنوبية خارج اليمن تحت إشراف دولي,ويكون هدف الحوار الاتفاق على قضية الاستقلال والحرية لشعب الجنوب وفك الارتباط بالدولة الحالية التي تعتبر نسخة من نظام الجمهورية العربية اليمنية التي كانت تحكم في الشمال مع الحفاظ على علاقات ودية بين الدولتين والشعبين الشمالي والجنوبي .
ويمثل هذا الفصيل مجلس الحراك الأعلى للتحرر والاستقلال برئاسة علي سالم البيض ( نائب رئيس الجمهورية اليمنية سابقاً ) , والمجلس الأعلى لتحرير الجنوب برئاسة حسن أحمد باعوم , وبعض القطاعات المدنية الجنوبية المرتبطة بالحراك الجنوبي , ويندرج ضمن هذا الفصيل الرافض للحوار : الحوثيون في صعدة الذين يرتبطون بعلاقات وطيــدة بإيران , والعناصر السلفية المتشـــددة من جملتها : عناصر القاعدة وأنصار الشريعة .
وبوجه عام فإننا نميل إلى حوار جاد ومثمر ويسبق هذا الحوار خطوات جريئة وشجاعة تعيد الثقة للنفوس المنكسرة وتعيد بعض الحقوق إلى أصحابها على طريق الحل الشامل للملفات الشائكة التي لم تجد نيـة صادقة في زحزحتها ونفض الغبار عنها وحلها بصورة عادلة .
الحوار الوطني لابد أن يفض المغاليق ويضع يده على المواضيع الساخنة , ولعل أبرز المفردات التي يجب أن يشملها الحوار هــي :-
1- قضيــة الوحدة اليمنية والتشرذم الوطني ودعوات فــك الارتباط .
2- بناء الدولة المدنــية الحــديثة .
3- القضــية الجنوبيــة وقضيــة الحوثيين في صعـــدة وقد رفض الأخيرون الحوار الوطني في بيان لهم في 22 ديسمبر سنة 2012 .
4- صياغة دستور جديد على مداميك ديمقراطية وتحديد شــكل الدولة .
5- هيكــلة الجيش والمؤسسات الأمنيـــة على أســس حديثة .
6- فصــل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية واستقلاليتها .
7- تطوير التجربة الديمقراطية وتوسيع المشاركة الشعبية والدفع بمناشــط المجتمع المــدني .
8- تنميــة المجتمع وتعضيــد اللحُمــة الوطنية ومحاربة الفســاد .
9- الاخلالات الأمنية وسُــبل تحقيق الأمن والأمان في المجتمع بدلالته المادية والرمزية, وتكريس مبــدأ سيادة القانون والمواطنة المتساوية والحريات العامة .
10- رفع المستوى المعيشي للشعب وتوفير المعايش والدواء والكســاء لعامة الشعب .
11- الإدارة العقلانية والعلمية للمجتمع على أساس التخطيط والعلم والمعرفة والكفاءة بمنأى عن العشوائية والفوضى والتلبك .
12- تمتيــن جــذور الثقافة الوطنية ونشر العلم والمعرفة وتشجيع ثقافة التسامح والانفتاح وحرية الصحافة والكلمــة والعقيــدة .
13- إطلاق مبادرة للمصالحة الوطنية وإنهاء الثأرات السياسية والاجتماعية والقبلية والشطرية .
14- رؤية تنموية مستقبلية لكيفيــة تنميــة المجتمع وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية , واستغلال الثروات الوطنية وتنميــة المجتمعات المحليــة.
ويمكننا أن نحدد شروط للحوار الناجح فيما يلي:
1. الصراحة والشفافية والمكاشفة وعدم الالتواء على الحقائق والمعطيات بطرق خشنة .
2. احترام الخصم والاتجاهات المغايرة وعدم استخدام مصطلحات التخوين والخطابات الهجومية والعدائية النارية التي تفرق ولا تلم شمل اللحمة الوطنية.
3. احترام التعدد السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والخصوصيات والرأي الآخر .
4. المساواة بين كافة أطراف الحوار والكف عن لغة وسلوكيات الهيمنة والترفع والاستعلاء .
5. التسامح والانفتاح والاعتدال ونبذ منهج العنف وقعقعة السيوف .
6. العمل بمبدأ الأخذ والعطاء والتنازل وإعادة الأراضي والممتلكات المنهوبة العامة والخاصة .
7. تكريس مبدأ المصداقية وبناء الثقة وإرجاع المطرودين إلى أشغالهم في المؤسسات المدنية والعسكرية .
8. إشراك كافة القوى في الحوار دون استثناء .
9. تطبيع الأوضاع وتهدئة النفوس والمضـــي ببسالة في هيكلة الجيش والمؤسسات الأمنية على أســس وطنية .
10. إطلاق سراح المعتقلين وإعلان العفــو الوطني الشامل .
11. إطلاق حرية الرأي والنشاط السياسي والمدني ورفع القيود عن حرية الرأي .
12. الابتعاد عن المكايدة والمكر السياسي الذي يضر بمسيرة الحوار الوطني .
13. تحديد أولويات الحوار مع إيلأ أهمية لعامل الوقت وجدولة القضايا .
14. تثبيت مبدأ الشراكة الوطنية .
15. الاعتراف بالتنوع والاختلاف .
16. عدم إنكار الأزمات والإخفاقات .
17. تطبيق الاتفاقيات واحترام التعهدات .
18. البدء بخطوات إصلاحية جادة في بناء المؤسسات ومحاربة الفساد وعزل المتنفذين الفاســدين, بحيث يعبر ذلك عن حسن النية متساوقة مع حوار صادق للخروج من عنق الزجاجة .
19. نشر ثقافة الحوار المناهضة لثقافة القهر والشمولية والتآمر والإقصاء والعلاقات الإنتباذية.
سنكذب على أنفسنا لو اعتقدنا أننا سنحل مشاكلنا عبر مؤسسات العنف أو بالشعارات والتمنيات المترعة بالعواطف ، أو بالأحاسيس المفعمة بالزهو والغرور ، دون أن نخطو قيد أنملة صوب الإصلاحات الشاملة التي لا تستند على المراوغات والترقيع للخروم .
إن بعض التصرفات الرعناء ساهمت بشكل كبير في ارتفاع نسبة الكره الاجتماعي وتمزيق عـُـرى الوحدة الوطنية ، فالأمور معقدة لا يجوز تبسيطها والإبحار في جدل عقيم وتعميمات بعيدة عما يعتمل في الواقع من عطب وعفونة تنبجس منها غصة الخيبة والألم والخوف من المجهول .
فالمجتمع يعيش حالة من الهلهلة جعلت البعض لا يرى في حياته بريق أمل .
علينا أن نخرج من الأبراج العاجية ونعترف بمشاكل المجتمع ، ولا يمكن معالجة مشاكلنا دون أن نعترف بوجودها ، لأن ذلك يؤدي إلى تراكم متاريس الإحباط في النفوس وتتراكم السلبيات وتفسد شرايين الحياة .
علينا أن نصلح الأمور بوطنية حقه في جو من الحوار والانفتاح والتسامح والمراجعة والحرية والمواطنة الواحدة علينا أن نتسلح بالصراحة ونبعد الغشاوة عن أعيننا وتجنب استغفال الناس ، فالحكمة والعقلانية والتبصر أساس ثقافة الحوار والقبول بالآخر من أجل الوصول إلى صيغة مشتركة تحافظ على الوطن من الخراب والفتنة والتصدع ، والعدل والإنصاف قضية محورية في الحوار والوحدة والنماء أو كما قال عمرو بن مسعده :
” أعظم الناس أجراً ، وأنبههم ذكراً من لا يرضى بموت العدل في دولته ” .
وختاماً نرى أن المشهد العام في اليمن بعد عامين على الثورة يوحي أن أغلب القوى السياسية ستشارك في مؤتمر الحوار الوطني رغم التجاذبات والتموجات والاحتقانات والانفلات الأمني الذي تشهده الساحة الوطنية .
فالحوار الوطني الشامل سينعقد تحت إشراف إقليمي ودولي وحسب ما نصت عليه المبادرة الخليجية التي حظيت بإجماع أممـــــــــي .
فالقوى التي لا تريد الفلاح للحوار الوطني تهدف إلى تخريب الحياة السياسية وتفتيت لحمـة المجتمع لكي يعيش في قلب الخطوب القاسية والهزات العنيفة.
وعلــيّ واجب الإشارة , أن بعض الفصائل الرافضة للحوار متشنجة في مواقفها , والبعض الآخر متصنعـة في معاداتها الشــديدة للحوار , و لربما أن ذلك لون من ألوان توزيع الأدوار .
فبعض الاتجاهات ليست مع الحوار الوطني وتقدم مطالب : الانفصال وفــك الارتباط , وفي الضفة الأخرى هناك من يرفض الحوار مثل الحوثيين لأنه يقوم تحت مظلة دولية ويشكل طاقة خطر على السيادة الوطنية حسب زعمهم.
ويبــدو أن تشــدد بعض الاتجاهات ورفضها للحوار الغاية منه الحصول على مكاسب سياسية على الأرض , وللضغــط على القوى المهيمنة على الشأن العام للتنازل أكثر وتلييـــن مواقفها بحيث تكف عن رفضها للتغيير الحقيقي وبناء الدولة المــدنية الحــديثة وتعميــق النهج الديمقراطي وإطلاق عملية التنمية ومحاربة الفساد .
الرافضون للحوار سيجدون أنفسهم بعد حين من الزمن منعزلين سياسياً , وسترتد الشعارات الحادة والقوية والمجلجلة عكس ما يريدون , لأن هذه الشعارات مترعة بالشــحن العاطفي السياسي وتفتقر للمنــطق والحصافة والتبصر ولا تصــب في خانة الخير العام بل في خانة الرغبات والأهواء الشخصية الجامحة للوصول إلى السلطة بأي ثمــن مما سيفضي إلى انتحار سياسي وإن كان يحظى هذا الاتجاه بمساندة خارجية ضيقة تتقاطع مع المصالح الإقليمية والدوليــة في منطقتنا .
فتعضــيد الوحــدة على أساس لا مركزي , وبنا ء مؤسسات الدولة , وحل القضية الجنوبية وقضية صعــدة , وهيكلة الجيش ومؤسسات الأمن , وصياغة عقــد اجتماعي جديد على شــكل دستور ديمقراطي جديد يتــم فيه فصل السلطات وصيانة الحريات العامة , وتطوير التجربة الديمقراطية , وتوسيع المشاركة الشعبية , وإقامــة نظام وحدوي جــديد على أساس الإنصاف والمواطنة المتساوية , وإطلاق عملية التنمية الشاملة … هذه أهـــم الإشكاليات التي لا بــد أن يتصــدى لها مؤتمر الحوار الوطني مع قضايا أخرى .
فنجاح مؤتمر الحوار سيفتح أفــق جديد لحياة جديــدة في يمــــن ســــعيد .
وجملة يمكن القول , أن نجاح الحوار الوطني في شــطر واسع منه يعتمد على طبيعة الضغوطات التي ستمارسها القوى الإقليمية والدولية على الاتجاهات الرافضة للحوار , فبعض الاتجاهات الرافضة للحوار تتميز بمواقف متذبذبة وزئبقيــة تحكمها المصالح والأهواء والأمزجة المتقلبة .
وقد تدخل بعض القوى مؤتمر الحوار الوطني وهي غير مقتنعة به وغايتها من ذلك تخريب الحوار من الداخل وإعاقة الإجماع الوطني وتكريس التشققات والتشظيات وتفكيك صواميل الوحــدة الوطنية .
فلابد من حوار صادق وهادف خالٍ من الرتوش ومساحيق التجميل لا يتكئ على الحيلة والنفاق بل يؤدي إلى إصابة الحــق بالحــكمة والعقـــل .
وتوقف الحوار يعني الانتقال إلى خطــوب قاسية ومواقف توتيرية للأوضاع وإلى حالة من الاحتقانات الخطرة وإلى انزلاقات في ممارسات غير محمودة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة عدن