رؤية حزب الرشاد اليمني لحلول وضمانات القضية الجنوبية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم،،، وبعد:
فقد سبق لحزب الرشاد اليمني أن قدم رؤيته حول جذور ومحتوى القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني وها هو اليوم يتقدم برؤيته لحل هذه القضية مستنداً إلى جملة من المقدمات التي يجب أن تستصحب لحل هذه القضية:
أولاً: رفع الظلم والحيف بمختلف صوره الذي لحق بأبناء المحافظات الجنوبية منذ عام 67م.
ثانياً: ضرورة إيجاد الحلول العادلة لعموم أبناء الشعب اليمني في شماله وجنوبه وتجنب إيجاد الحلول المختزلة التي لا تبنى على أسس ومعايير العدالة العامة حتى لا تحل مشكلات بنظيراتها ويستمر مسلسل الظلم من ناحية إلى أخرى ومن حقبة إلى أختها.
ثالثاً: مراعاة الجانب الجغرافي والتاريخي والسياسي لأبناء المحافظات الجنوبية وعدم التغافل عن هذا الجانب أو التجافي عنه عند وضع الحلول.
رابعاً: مراعاة مآلات الأمور واستشراف آفاق المستقبل عند وضع الحلول وعدم التقيد بملابسات وأحوال اللحظة الراهنة التي كثيراً ما تقودها العاطفة ولهيب الحماسات دون التبصر في دراسة التركيبة الاجتماعية والمناطقية والسياسية المعقدة التي تحتم على واضعي الحلول الغوص في أعماق وأبعاد وأسرار التركيبة المجتمعية إعمالاً لمبدأ (الدواء الناجع يبنى على التشخيص السليم).
بعد هذه المقدمة يمكن الإشارة إلى الحلول التي نراها في حزب الرشاد اليمني في الآتي:
أولاً: إجراءات ضرورية:
حينما نتحدث عن الحلول والضمانات للقضية الجنوبية لابد من جملة من التدابير حتى تكون بمثابة العناوين الجادة التي لا تقف فحسب عند مجرد الإشارات للحلول بل تتخطاها إلى واقع عملي وملموس تنعكس آثاره على المواطنين في المحافظات الجنوبية ومن ذلك:
1ـ الاعتذار الرسمي من قبل الجهات التي تقلدت حكم الجنوب منذ عام 67م إلى عامنا هذا، بحيث يتضمن هذا الاعتذار إدانة جميع الممارسات الظالمة التي تتابعت عليها النخب الحاكمة في جنوب اليمن لا فرق في ذلك بين المظالم والانتهاكات المتعلقة بالثقافة الإسلامية وفصل الدين عن الدولة ومحاربة الشعب في ثوابته وقيمه، أو المظالم المتعلقة بالدماء وما حصل من قتل وسحل وتعذيب خارج إطار القضاء العادل، أو المتعلقة بالحقوق المالية من سياسة التأميم ومصادرة الأموال والعقارات أو السطو عليها ونهبها والعبث بثروات المجتمع.
2ـ رد المظالم إلى أهلها ومعالجة مشاكل التأميم وتعويض المتضررين من هذه السياسة الجائرة، وكذلك حصر كل الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بغير وجه شرعي وإعادة هذه الممتلكات إلى ملكية الدولة إن كانت من الحقوق العامة أو إعادتها إلى مالكيها الحقيقيين إن كانت من الحقوق الخاصة.
3ـ حصر ومعرفة جميع الذين سرحوا من وظائفهم العسكرية والمدنية بدون وجه حق وإعادتهم إلى أعمالهم ورد الاعتبار لهم وتعويضهم عما لحقهم من الأضرار تعويضاً عادلاً جراء هذه السياسة الجائرة.
4ـ حصر ومعرفة جميع الشركات والمؤسسات العامة التي تم التعدي والاستيلاء عليها ومعالجة أوضاع المتضررين من ذلك وتصحيح أوضاعها وإعادتها إلى الصالح العام وتفعيل دورها المجتمعي بما يحقق النفع للمجتمع.
5ـ نقترح أن تقام مخططات عقارية في ضواحي المدن الكبرى في الجنوب من عقارات الدولة ويتم بموجبها تعويض عموم المظلومين تعويضاً عادلاً يرضى بذلك أصحاب المظالم مع إعادة الاعتبار لهم.
6- تقوم الحكومة على وجه السرعة بتنفيذ مشاريع إستراتيجية وخدمية تعود بالنفع على المواطنين كتفعيل المنطقة الحرة ونحو ذلك.
ثانياً: إجراءات حقوقية:
وفيما يتعلق بالجوانب الحقوقية يتم التعامل مع المحافظات الجنوبية بما يتطلب مراعاة الجانب الجغرافي بالتوازن المثمر مع الجانب السكاني في شمال اليمن بنسبة عادلة ينظمها القانون في الدوائر الانتخابية وبما يحقق الشراكة الحقيقية لأبناء المحافظات الجنوبية في السلطة والثروة والوظائف العامة دون فتح الذرائع للاستحواذ والاستفراد بالثروة والسلطة وبعيداً عن الاستقواء بالجانب السكاني أو الجغرافي.
ثالثاً: مجالات الثروة:
تعتبر الثروة والموارد الطبيعية ملكاً عاماً للشعب اليمني ومورداً قومياً أينما وجدت في جنوب اليمن وشماله غير أن هذا الأمر لا يمنع من وضع اعتبارات خاصة ومميزات جغرافية لمواطن الثروة في عموم اليمن، ويجب أن تخصص ما لا يقل عن 10% من الموارد السيادية لصالح المحافظة.
رابعاً: المجال السياسي:
ينطلق الرشاد في رؤيته لحل القضية الجنوبية في الجانب السياسي من مبدأ الوحدة اليمنية التي تمت بين نظامي الحكم في شمال اليمن وجنوبه عام 90م والتي جاءت بعد سلسلة من الإجراءات والمؤتمرات الثنائية وما تلاها من تصديق مجلسي الشعب والشورى ومن استفتاءات وانتخابات ومباركة شعبية بتحقيق هذا الحلم الذي انتظره أبناء اليمن طويلاً.
وعليه فإن القضية الجنوبية -رغم تأكيدنا على خصوصياتها السياسية والتاريخية والجغرافية- تعد في واقع الأمر معضلة من معضلات الخلل في مقومات الدولة اليمنية في عموم أرجاء اليمن وحلها مرهون بحل إشكالية الدولة وقيامها على العدل والعمل المؤسسي والحكم الرشيد القائم في تشريعاته وأحكامه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بحيث يعطى كل ذي حق حقه ولا يبخس أحد ما هو له بأي اعتبار، مستلهمين في ذلك أن العدل بمفهومه الشامل هو أساس الرخاء والاستقرار والأمن وأن الظلم بمختلف صوره هو أساس التدابر والبغضاء والشحناء وإثارة النعرات الجاهلية والعصبية المذمومة.
وبناءً على ذلك فإننا في حزب الرشاد نرى أن يكون شكل الدولة على النحو الآتي:
إن اتخاذ قرار بشكل الدولة يعد أهم وأخطر قرار يتخذه حزب أو كيان سياسي أو فرد أو شعب لما يترتب عليه من تبعات وآثار في كل مناحي الحياة لا تقتصر على الحاضر وإنما تتجاوزه إلى المستقبل البعيد.
لذا فإن من يتخذ قراراً في ذلك فإنه سيتحمل مسؤولية عظمى أمام الله ثم أمام شعبه وأمته ثم أمام التاريخ والأجيال القادمة.
فاختيار شكل الدولة قرار استراتيجي يحتم علينا اتخاذه بتفكير واعٍ بل بعقل استراتيجي يبذل لذلك أعظم المجهود الفكري والمعرفي ليكون قراراً صادراً من موقع المسؤولية لا قراراً تحركه العواطف المجردة أو يبنى على الآمال المتوهمة أو ينساق وراء رغبات النخب أو يكون صدى لأصوات عالية.
لذا فإننا في حزب الرشاد نؤكد على اعتبار الأسس والمعايير العلمية والموضوعية والواقعية في اختيار شكل الدولة ومن ذلك:
1- أن يعكس شكل الدولة سمات الهوية والتاريخ والجغرافيا والهموم والمطالب والتطلعات للشعب اليمني وينهض به من واقعه الأليم الذي لخصته ورقة وزارة التخطيط والتعاون الدولي المقدمة في اجتماع لندن في هذه الأرقام:
47.6% | من اليمنيين يقل دخلهم عن دولارين باليوم |
32.1% | من اليمنيين لا يحصلون على غذاء كاف |
45.3% | معدل الأمية في اليمن |
42% | من مناطق اليمن تغطيها الطاقة الكهربائية |
32% | تغطية خدمات الأمن والقضاء والسلطات المحلية |
76% | لا يحصلون على مياه شرب من الشبكة العامة |
52.9% | من الشباب عاطلون عن العمل |
فينبغي أن تكون هذه الأرقام وتعديلها حاضرة لدى صانع القرار في شكل الدولة التي من أهم وأوجب وظائفها تخليص هذا الشعب الأبي من معاناته وتوفير العيش الكريم والخدمات الراقية له والنهضة به نحو الرقي والتقدم.
2- دراسة واعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجغرافية والأمنية والتركيبة السكانية لليمن في اختيار شكل الدولة.
3- أن يكون شكل الدولة متلائماً ومتوافقاً مع القدرات البشرية والإمكانات المادية المتاحة والمطلوبة لإقامة الدولة لا المتوقعة من المنح الدولية المتوهمة.
4- تقدير حجم المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة في القرار ومراعاة التدرج في بناء الدولة عبر مراحل من تكوينها والتخطيط لها إلى تنفيذها وترجمتها إلى الواقع إلى التقييم والرقابة المصاحبة للتنفيذ ومقارنة الأداء الفعلي بالأداء المرغوب فيه أو المخطط له وتحديد آلية وفترة الانتقال لكل مرحلة.
5- مراعاة التوافق والتوازن بين مفردات البناء التنظيمي للدولة والابتعاد عن الصيغ المعقدة واختيار الصيغ المبسطة والسلسة والواضحة في تحقيق وأداء وظائف الدولة.
6- اعتبار مؤثرات المحيط الخارجي بمتغيراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعلاقته التعاونية أو التنافسية أو العدوانية باليمن.
7- أن يبنى قرار شكل الدولة على المعلومات العلمية الكافية والدقيقة للأبعاد المقومة للدولة والمؤثرة فيها ومدى مناسبة النماذج المقترحة من الخبراء للواقع اليمني، وتحليل الأخطاء والانحرافات في الدولة القائمة وتحديدها هل هي في نوع الدولة أم في إدارتها ونظام حكمها.
ولأن المعلومة هي الركيزة الأساسية لدعم واتخاذ القرار فعلينا أن نحدد الخبرات والمعلومات المطلوبة لذلك لا أن نكون وعاء لخبرات ومعلومات لمجرد أنها متاحة ومتوفرة.
لذا فإن حزب الرشاد يرى أن شكل الدولة اليمنية هو: (الدولة البسيطة اللامركزية ذات الحكم المحلي الكامل الصلاحيات مالياً وإدارياً)
والتي سنحدد تفاصيلها لاحقاً من خلال تكامل ودقة المعلومات ونتائج البحوث العلمية وقواعد البيانات الحديثة مع ما سيقرره مؤتمر الحوار الوطني في ذلك.
خامساً: الضمانات:
إن الضمانات الحقيقية تتطلب أموراً لا بد من اعتبارها:
1- بناء وترسيخ الثقة والتآلف بين أبناء الشعب اليمني في جنوبه وشماله وإزالة جميع الأسباب والمماحكات التي أوجدت شروخاً وتصدعات اجتماعية بين أبناء المجتمع اليمني.
2- إقامة دولة المؤسسات والحكم الرشيد القائم على العدل وإصلاح المنظومة القضائية وترسيخ معاني الحقوق المشروعة والحريات المعتبرة في أوساط المجتمع.
3- بناء جيش وطني ولاؤه لله ولدينه ثم لوطنه وأمته بعيداً عن الولاءات الحزبية الضيقة والمناطقية والقبلية.
4- إيجاد ميثاق شرف بين أطراف العمل السياسي.
والله الهادي إلى سواء السبيل