جرائم في الصمت
بقلم / محمد الأحمدي
اعتاد المجتمع الدولي على الصمت مرات كثيرة عن جرائم خطيرة بحق الإنسان، لاعتبارات سياسية تارة، أو للانشغال بملفات صراع في مناطق أخرى من العالم تارة أخرى.
الاسبوع المنصرم بدأت منظمات حقوقية دولية تتحدث على استحياء عن جانب من جرائم المليشيا الحوثية في اليمن، كانت قد التزمت حيالها الصمت منذ أربع سنوات، دون سبب، وهي جرائم الألغام التي تفتك بالمدنيين منذ نشأة المليشيا الحوثية، قبل أن تتوسع على امتداد الخارطة اليمنية، وتنشر في طريقها الخراب مخلفةً وراءها الموت على هيئة ألغام مختلفة الأحجام والأشكال، حتى تكاد تكون هذه الجرائم حكرا عليها وصفة لازمة لها.
التقرير الذي نشرته هيومن رايتس ووتش عن ألغام الحوثي يغطي فترة زمنية صغيرة من عمر المليشيا الدموي، ويلفت إلى أن الألغام الأرضية التي زرعتها المليشيا الحوثية والمنتشرة في الأراضي الزراعية والقرى والآبار والطرق قتلت 140 مدنيا على الأقل، من بينهم 19 طفلا، في محافظتي الحديدة وتعز فقط منذ 2018، وهو ما يعني أن كل المحافظات التي اجتاحتها المليشيا صارت حقول ألغام تحصد أرواح المدنيين والمواشي على الدوام.
هذه الجريمة رغم بشاعتها تكفي لتجريم الجماعة الحوثية إلى الأبد، لكن مع ذلك ظل مسكوتا عنها ولم تحظ بالحد الأدنى من الإدانة الدولية.
الصمت عن جرائم الألغام الحوثية، يشبه الصمت عن جرائم الاعتداءات الجنسية لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بصرف النظر عن فارق مستوى الجريمة والحالة القانونية للطرف المرتكب للجريمة؛ إذ يمثل الصمت عن هكذا جرائم تشجيعا لمرتكبيها لممارسة المزيد.
لكن، بعد هذا الصمت، بدأنا نشهد خلال العامين الماضيين ارتفاعا متصاعدا في عدد ادعاءات الاستغلال والاعتداء الجنسي الموجهة إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، في مناطق عدة من العالم، فإلى جانب انتشار الجوع وانعدام الأمن في مناطق الصراعات، فاقم العنف الجنسي من جانب “حفظة السلام” الظروف القاسية للضحايا في دول مثل هايتي والصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومؤخرا في جمهورية أفريقيا الوسطى.
وفي المحصلة النهائية، قد يبدو أحيانا أن ثمة إرادة دولية بإغراق بعض الأطراف والجماعات وحتى الدول في مستنقع الجرائم ضد حقوق الإنسان، حتى يتسنى لها المحاسبة في الوقت المناسب، ولذلك شهدنا مطلع العام الجاري، على سبيل المثال، كيف ساقت جرائم زعيم المليشيات المسيحية السابق في أفريقيا الوسطى باتريس-إدوارد نغيسونا، إلى محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد المسلمين، ومن الخطأ الاعتقاد أن زعيم المليشيا الحوثية في اليمن وقادته الميدانيين سيكونون بمنأىً عن يد العدالة يوماً ما.