كتابات

هل الصدقة من الأوساخ، ولماذا حُرمت على بني هاشم؟

بقلم / محمد شبيبة

قبل أن أُجيب على هذا السؤال أضع بين يدي القارئ المتحرر من التصعب، والمتمرد على التقليد الأسئلة التالية:

كيف تكون الصدقة أوساخ الناس، والله وصفها بالمُطَهِرَة فقال تعالى:

( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا)

كيف تكون الصدقة من الأوساخ ثم يقبلها الله، وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله لايقبل إلا طيباً، فقال : (إنَّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا)… ولو كانت الصدقة وسخاً، لما قبلها الله ، تنزه وتعالى.

كيف تكون من الأوساخ ، والله أحلها للمسلم المحتاج، ولو كانت وسخاً لحرمها عليه، لأن الله يقول:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَارَزَقْنَاكُمْ )… فهل أحل له أكل الوسخ، وتعاطي الخبث؟!!

 بل امتن علينا سبحانه بأنه أرسل إلينا نبياً نظيفاً، ورسولاً طاهراً، يُحل لنا الطيبات، ويحرم علينا الخبائث، ولو كانت الصدقة من الأوساخ، فكيف يحلها لنا الطيب الطاهر صلى الله عليه وسلم؟! قال سبحانه:

( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)

لو كانت الصدقة من الأوساخ فكيف يأخذها الله، ويجعلها في أعمال العبد المقبولة ، قال تعالى :

( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

بل كيف يباركها، وينميها، ويزيدها ويربيها، قال تعالى:

(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)… وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يأخذ صدقة أحدكم بيمينه ويربيها له كما يربي أحدكم فَلُوَّه أو فصيله)

حاشا الله أن يأخذ الأوساخ، ويربي الأنجاس.

وهل يعقل أن يسمح الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته بأكل الوسخ، ويصون قرابته؟

هل من المعقول أن يسمح لأبي بكر مثلاً، أو عمر، أو سعد، أو معاذ، أو خالد، بأكل الوسخ الذي منع منه، علي والعباس، والحسن، والحسين؟

إذن بعد هذه الأسئلة التي أراها منطقية، هل يعني ذلك أنني أرد الحديث الصحيح، وما معنى أوساخ الناس؟

والجواب ، معاذ الله أن أرد حديثاً صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،

لكنني فقط هنا اعترض على المفهوم الذي فهمه هذا، أو ذاك، مع حفظي لمكانة هذا، ومقام ذاك، خاصة وقد سقت من المحكم مالا يصمد أمامه المتشابه، فما بالك بمفهوم هذا الشخص، أو ذاك ؟

فليس معنى إنما هي أوساخ الناس أي في ذاتها وحقيقتها، وإنما المعنىٰ أنها تزيل أو ساخ الناس وتطهرهم من البخل، والشح، والأثرة، وتفعل كما تفعل الصلاة التي وصفها الرسول بالمُطَهِرَة فقال

(أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمساً، هل يُبْقي من درنه شيئاً»، قالوا: لا يبقي من درنه شيئاً قال: كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)

إذن الصدقة جُعِلت لتطهير الأنفس من الشح، وليس مكسباً مالياً لأهل البيت، أو دعماً اقتصادياً لبني هاشم،

وهذا هو الذي يتناسب مع جمال الدين، ويصون مقام النبي الأمين .

أما علة تحريمها على بني هاشم – والله أعلم – فإنما ذلك لصيانة عرض النبي، ومكانته، ولو سمح لقرابته بأخذ الصدقة، لقال الناس إنما تدعونا لكي تأخذ أموالنا فتنفقها على أهلك، وَتَتَمتع بها قرابتك، ولذلك كان شعار كل نبي (قل لا أسلكم عليه أجراً)

فلو أكل منها النبي، أو ترك قرابته يأكلوا منها لتعلقت بعرضه التهمة المشابهة في قذارتها للاوساخ المحسوسة التي قد تتعلق بجسد الإنسان، وليس في النص الرفع من شأن قبيلة على قبيلة، أو نسب علىٰ نسب، وإنما تنزيه الداعية الأول وصيانة دينه ودعوته عما في أيدي الناس، ولذلك حرمها على موالي بني هاشم كما حرمها على بني هاشم أنفسهم لأن العلة واحدة.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، ومات كل قريب له، ولم يعد هناك أي تهمة قد تلحقه من أكل المحتاج للصدقة، فقد زال مانع المنع على بني هاشم ولن يُطعن في دعوة النبي إذا صُرفت الصدقة اليوم لفقيرهم كما تصرف للفقراء من غيرهم، فلم يعد له قرابة حتى يقال إنما يُعطي محمد قرابته، ويصرف أموالنا على أهل بيته.

 والحكم يدور مع علته وجوداً أوعدماً، فأصبح حالهم كحال غيرهم،

والله أعلم ، (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير الفاتحين)

#محمد_شبيبة

زر الذهاب إلى الأعلى