كتابات

مهلاً يا دعاة فدرلة اليمن!

22-02-12-479486664

*حمير مثنى الحوري

إن الكلام على شكل نظام الحكم في دولة ما أمر في غاية الأهمية والتعقيد أيضاً ويتطلب دراسة معمقة للتضاريس الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومعرفة دقيقة بالتاريخ والهوية لتلك الدولة, ففي حالة إقرار شكل معين  لنظام  ما لا يتناسب مع بعض خصائص ذلك المجتمع فإنه قد يتسبب في حدوث كوارث لا يحمد عقباها كأن تنشب حرب ضروس داخل ذلك المجتمع ينجم عنها فساد الحياة الاقتصادية والاجتماعية واضطراب اجتماعي قد يستمر لسنوات.
ومن أشكال أنظمة الحكم المعمول بها اليوم في 28 دولة ما يسمى بالفيدرالية، هذا الشكل من الحكم يحظى بدعم عدد من القوى السياسية والاجتماعية في مؤتمر الحوار الوطني ليكون نظاماً للحكم في اليمن, والفيدرالية لمن لم يتيسر له معرفة معناها: اتفاق بين طرفين أو أكثر أو ميثاق أو تحالف أو عقد, وتعرف الدولة الفيدرالية بأنها دولة واحدة تضم كيانات دستورية متعددة لكل منها نظامها القانوني الخاص واستقلالها الذاتي وتخضع في مجموعها للدستور الاتحادي المنشئ لها والمنظم لبنائها القانوني والسياسي والإداري .
لكن تطبيق الفيدرالية في بلد ما كشكل لنظام الحكم يتطلب مراعاة عدد من المحددات والمعايير كما يقول كثير من المتخصصين لأنه بغير مراعاة تلك المحددات والمعايير ستتحول الفيدرالية إلى أزمة وجزء من المشكلة محطمة آمال المتشبثين بها والمتعصبين لتطبيقها متجاهلين ومستسهلين ما تحتاجه من إمكانيات وما تستلزمه من محددات  .
التقيت بعضاً من ممثلي الجهات الداعمة للفيدرالية في بلادنا في إحدى ورش العمل طالباً منهم إقناعي واقعياً بصحة موقفهم في دعم الفيدرالية ومدى مناسبتها للواقع اليمني, لكني لم أجد جواباً بحجم السؤال أنقله لكم هنا!
ولذلك ومن أجل خطورة هذا الأمر أدعوا داعمي الفيدرالية في اليمن أن يتأنوا في اتخاذ مثل هكذا قرار وأن يعيدوا النظر ويفكروا ملياً ويقدروا الواقع اليمني بشكل جيد.
سأسرد لكم عدداً من تلك المحددات التي يتطلبها خيار الفدرلة مستصحباً لكم الواقع اليمني ومدى ملائمة هذا الخيار له:
*  قوة اقتصادية :خبراء الفيدرالية يؤكدون على أن تطبيقها يتطلب ميزانيات ضخمة وهائلة جداً، والوضع الاقتصادي في اليمن ضعيف لدرجة مخجلة على رغم وفرة الثروات وتنوعها كيف إذا علمنا أن 47.6% في اليمن يقل دخلهم عن دولارين باليوم.
* وعي اجتماعي: في بلد مثل اليمن تبلغ نسبة الأمية 45.3% ونقل الناس من دولة بسيطة إلى دولة مركبة أمر في غاية الصعوبة وسيسبب مشاكل اجتماعية عميقة وسيصعب من حياة الناس خاصة في ظل وجود هذه النسبة العالية من الأمية.
* سيادة الدولة وقوة المركز: وجود السلاح الثقيل بيد مجموعات مسلحة وقبائل عديدة أمر واقع في اليمن، بل إن محافظات بأكملها ليست تحت سيطرة الحكومة, في وضع مثل هذا كيف يمكن أن نتكلم عن فدرلة تقودنا إلى التوحد كما هو حاصل في الغرب، بلا شك أن النتيجة الحتمية في حال تطبيق الفيدرالية هو مزيد من التشظي والانقسام.

* إرادة سياسية مستقلة: إن تدخل دول في شئون دول أخرى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أمر واقع وحاصل يجبرنا على التعامل معه وفق المصالح الوطنية والشرعية وبما لا يخالف القانون أو المنظومة الدستورية العامة في البلد, ونعلم جميعاً أن إرادة كثير من القوى السياسية والاجتماعية في اليمن ليست مستقلة بدرجة كافية بل إن بعضاً منها كما هو معروف مرتبط بقوى خارجية لدرجة ترقى إلى اتهامها بالخيانة الوطنية, ووضع مثل هذا يجبرنا على التريث في خيار الفدرلة بلا شك .
* مراعاة للهوية: الهوية أمر في غاية الحساسية ولهذا نجد السياسيين غالباً ما يتحاشون التصادم معها ويتكلمون بلباقة عالية حين يتعلق الأمر بهوية أي مجتمع, الهوية في اليمن كما هو معروف تدعم خيار الوحدة والتوحد ليس في إطار يمن واحد فقط بل في إطار عالم عربي وإسلامي مترامي الأطراف، هذه هي الهوية السائدة والتي لا يوجد غيرها في الواقع اليمني اليوم، لا أعراقاً لا هويات لا ثقافات متعددة ونجد قول الشاعر حاضراً عند عموم اليمنيين “وأينما ذكر اسم الله في بلد .. عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني”، وقبله قول الله سبحانه “وإن هذه أمتكم أمة واحدة”.
* مراعاة الخصائص الاجتماعية: التمازج بين الفئات الاجتماعية والتداخل الاجتماعي عبر المصاهرة والشراكات التجارية ومرونة الحركة وسهولة التنقل بين المحافظات اليمنية سمة بارزة وظاهرة اجتماعية قد تتضايق من تطبيق خيار الفيدرالية.
* مراعاة لعدد الأقاليم: يقول خبراء الفيدرالية بالإجماع كما ينقل ذلك الأستاذ أمين المقطري وهو أحد خبراء الحكم المحلي: “إن فيدرالية تتم بين إقليمين أو ثلاثة هي طريق للانفصال ولعدم الاستقرار بلا شك” كما أثبتت ذلك الخبرة الدولية والتجربة الإنسانية عبر التاريخ .
* الواقع السكاني: يبلغ عدد سكان مصر قرابة 90 مليون نسمة يعيشون في 30 وحدة سكانية (تجمع سكاني) هذا العدد من الوحدات قد يتناسب والفيدرالية إذا ما اعتبرناه محدداً معتبراً، لكن لا نشعر أنه يلائم الواقع السكاني لليمن الذي تبلغ عدد الوحدات السكانية فيه 120,000 وحدة سكانية (تقريباً)  لـ25 مليون نسمة متناثرة على سفوح الجبال وفي بطون الأودية وفي قلب الصحراء وعلى شواطئ البحار .
كل ما ذكر على شكل الإيجاز يجب أن يراعى عند التفكير في خيار الفيدرالية، فإذا أضيف إليه ما قد يترتب من نزاعات واسعة في حالة إقرار فدرلة اليمن على الحدود فيما بين الأقاليم أو على الماء خاصة وأن اليمن تعد من بين أفقر 10 بلدان في العالم في مسألة المياه، فعلاً قد تنشب حالة من النزاع حتى على الأماكن الصالحة للزراعة والتي تبلغ 6.5% فقط من مساحة أراضي اليمن، أو على توزيع الثروة، أو ما قد يحصل من صدامات أثناء توزيع  الصلاحيات بين المركز والأقاليم مع صعوبة تعديل القوانين والدساتير وما قد ينشأ من تحالف بين إقليمين أو أكثر  قد يضر بالأقاليم الأخرى. ولكم أن تقدروا النتائج التي قد تترتب على حدوث ذلك في وسط مجتمع يعاني من ضعف عام في الوعي ومن إرادة سياسية غير مستقلة تتجاذبها المصالح الدولية، مع امتلاك جماعات وقبائل لأسلحة ثقيلة ووضع اقتصادي متردٍ.
وقطعاً فمهما قيل عن إيجابيات الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والإمارات العربية فإن الوضع في اليمن ليس مهيأ لمثل هذه الصيغة؛ إذ أنه لا يمكن الحديث عن الفيدرالية في بلد غير مستقر وفي ظل دولة ضعيفة غير قادرة على فرض نفوذها على كامل التراب الوطني  .
ليست لدينا مشكلة دينية خالصة مع الفيدرالية ولن تتضرر لنا مصالح خاصة من إقرارها أو عدم إقرارها، كل الذي نراه أن هناك تداعياً وتدافعاً نحو فدرلة اليمن من قبل قوى سياسية واجتماعية لا تستطيع إقناعنا بدرجة كافية ما سر هذا التدافع والتداعي نحو خيار الفدرلة.
إن التحمس لخيار الفدرلة من أجل تطييب خاطر من يتجمهرون في عدن ومحافظات جنوب اليمن فقط دون النظر إلى الأزمات الطاحنة الأخرى التي يعيشها أبناء هذا الوطن أمر في غاية السذاجة واستغفال لا نرتضيه لأننا نشعر أن فيه تسهيلاً وتهيئة لعملية الانفصال ذاتها؛ ولهذا نجد أن من أبرز المتحمسين لخيار الفدرلة هم الأقرب لمطلب انفصال الجنوب .

إن الشكل الأمثل والخيار الأفضل الذي نظنه صالحاً للواقع اليمني هو أن تكون اليمن دولة بسيطة بحكم محلي واسع الصلاحيات وهو الخيار الأسهل تطبيقاً بأقل كلفة, ومع هذا ندعو إلى دراسة مستفيضة ومتأنية للواقع اليمني قبل إقرار أي شكل لنظام الحكم في اليمن.
يقول د/ عبدالله أبو الغيث في مقاله “النظام الفيدرالي وواقع الدولة اليمنية”: وفي الأخير فإن صدق نوايانا، واستعدادنا للتعايش مع بعضنا، واعتبارنا المصلحة العليا للوطن اليمني خطاً أحمر يعلو فوق كل مصالحنا الضيقة، ومشاريعنا الخاصة، وطموحاتنا الآنية، ومطامعنا الأنانية، هو من سيرسم لنا ملامح نافذة خروج اليمن من النفق الذي صارت تتردى فيه، بحيث تضعنا على بداية طريق صحيح وآمن لبناء دولة يمنية موحدة، أما إذا لم يحدث ذلك فنحن سنكتشف بعد حين بأننا قد عدنا إلى داخل نفس النفق -ولكن من منفذ جديد- وإلى زاوية أكثر ظلاماً من التي كنا فيها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عضو الهيئة التأسيسية في التحاد الرشاد اليمني

h_mm1@hotmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى