كتابات

قل هو من عند أنفسكم

images*د/عبدالوهاب الحميقاني

من المعلوم والمقرر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن كل نعمة من الله فضل وكل مصيبة من الله عدل، ولا يعاقَب أحد إلا بذنب ولا يظلَم أحد، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} ومن تلك المصائب تسلط الكافرين والمجرمين على المسلمين لأنه إذا التقى الإيمان الصادق مع الكفر الماحق على الإيمان وانتصر وانكسر الكفر واندحر كما قال الله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا*سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} لكن إذا وقع المؤمنون في الإخلال بالشرع أو التفريط بالقدر وكلهم الله إلى أنفسهم ووقع عليهم ما كسبوه بأيديهم جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد.

قال شيخ الإسلام بن تيمية: (وَحَيْثُ ظَهَرَ الْكُفَّارُ فَإِنَّمَا ذَاكَ لِذُنُوبِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَوْجَبَتْ نَقْصَ إِيمَانِهِمْ، ثُمَّ إِذَا تَابُوا بِتَكْمِيلِ إِيمَانِهِمْ نَصَرَهُمُ اللَّهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وَقَالَ:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}).

ويقول بن القيم: (الله سبحانه ضمن أن لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً فحيث كانت لهم سبيل ما عليهم فهم الذين جعلوها بتسببهم ترك بعض ما أقروا به أو ارتكاب بعض ما نهوا عنه، فهم جعلوا لهم السبيل عليهم بخروجهم عن طاعة الله ورسوله فيما أوجب تسلط عدوهم عليهم من هذه الثغرة التي أخلوها كما أخلى الصحابة يوم أحد الثغرة التي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزومها وحفظها، فوجد العدو منها طريقاً إليهم فدخلوا منها، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}).

وما يقع على المسلمين من المصائب هو في حقيقته خير لهم يطهرهم من الذنوب ويرجعهم إلى الله ويصقلهم في ميدان الإيمان والحياة إذا أحسنوا التوبة إلى الله ولزموا شرعه وأخذوا بقدره، ومعاذ الله أن نشمت بمؤمن كسر أمام عدوه فوالله لا يفرح بتسلط المجرمين على المؤمنين إلا كل منافق عليم، إلا أنه قد يخطئ ويذنب أهل العلم والدعوة والمقال، وقد يخطئ ويذنب أهل الطاعة والعبادة والحال، وقد يخطئ ويذنب أهل الغزو والجهاد والقتال، فإذا أخطأ أحد من هؤلاء وجبت محبته ونصرته لا سيما إذا انكسر أمام عدوه وتسلط عليه خصمه، ومن أعظم نصرته نصحه وبيان ما يجب عليه من جهة الشرع ومن جهة القدر، وهذا منهج القرآن مع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، رغم ما أصابهم من قرح يوم أحد تنزل القرآن في إثرها مربياً ومعاتباً لهم ومبيناً سبب كسرتهم ليعتبروا ويتعظوا ويحترسوا من تكراره (قل هو من عند أنفسكم).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أمين عام اتحاد الرشاد اليمني

تعليق واحد

  1. ما شاء الله
    اللهم ارنا الحق حقا و ارزقنا إتباعه و أرنا الباطل باطلا و أرزقنا إجتنابه

زر الذهاب إلى الأعلى