الحوار الوطنيرؤى الأحزاب

رؤية محتوى القضية الجنوبية للمستقلين

نص الرؤية

 مقدمة

 لقد جاءت ثورتنا الشبابية الشعبية السلمية كنتيجة طبيعية للحالة المتردية التي وصل إليها شعبنا اليمني في كافة نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وامتدادا لثورتي سبتمبر واكتوبر المجيدتين جاءت ثورتنا الشبابية الشعبية السلمية باعتبارها فعلًا تصحيحيًا يعيد الأمور إلى نصابها، جاءت ابتداءً لرد الاعتبار لشعبنا اليمني شمالًا وجنوبًا شرقًا وغربًا في لحظة تاريخية فاصلة تؤسس لبناء يمن جديد يمن الثورة ، يمن النهضة والديمقراطية ، لقد دمر النظام السابق كل شيء جميل في حياة اليمنيين حتى أصيب شعبنا بالبؤس واليأس من إصلاح البلاد.

 وقد كان فيما دمره الوحدة اليمنية المباركة التي كانت حلم اليمنيين جميعًا، فقام بإقصاء الشريك الجنوبي بحرب 94م ، ولم يكتفي بهذا , بل عمل على إقصاء كافة الأحزاب والقوى السياسية الأخرى وتهميشها في الساحة اليمنية واستحوذ على السلطة والثروة وأدخلنا بمرحلة الحكم الفردي العائلي المستبد، فناضل أبناء المحافظات الجنوبية منذ 2007م لاستعادة شراكتهم في الوحدة التي كانوا أحد أطرافها ، وجاءت الثورة الشبابية الشعبية السلمية امتدادا لثورة الحراك السلمي الجنوبي وعمت البلاد جميها شمالا وجنوبا لتعيد شراكة اليمنيين جميعا في دولتهم شمالا وجنوبا، ولذا فإننا شباب الثورة الشبابية الشعبية السلمية جعلنا من أهم أهداف ثورتنا المباركة حل القضية الجنوبية حلا عادلا يرضي أبناء الجنوب ،ومن أجل هذا سقط شهداؤنا وجرحانا الأبطال.

 وتأسيسًا على ما ذكرناه في رؤيتنا في جذور القضية الجنوبية، وأنها أساساً قضية الاقصاء والتهميش في كافة دورات الصراعات السياسية التي شهدها الجنوب والتي آثارها ما زالت قائمة إلى يومنا هذا ، والتي لا يمكن أبدا أن نغض عنها الطرف، لا سيما وأن تلك الصراعات لا زالت آثارها وجراحاها حاضرة اليوم.

 إننا شباب الثورة الشبابية الشعبية السلمية ونحن نقدم رؤيتنا لمؤتمر الحوار الوطني ما زلنا نؤكد أننا لم نكن في يوم من الأيام جزء من صراعات الماضي – شمالي أو جنوبي ، او شمالي جنوبي – بل كنا المتضرر الأكبر منها ، بسبب توريث الصراعات لأجيلنا واستحضارنا في الماضي ، كما أن ما ذكرناه في رؤيتنا في جذور القضية الجنوبية وما سنذكره في هذا المحتوى ليس بهدف إثارة صراعات الماضي أو لمز طرف ما، مهما اتفقنا معه أو اختلفنا، بقدر ما هو بهدف تقييم الماضي لاستشراف المستقبل، وأخذ العبرة منه ورد الحقوق لأهلها، وانتصارًا للمظلومين أياً كانوا، ولأجل هذا أيَّدنا الحراك السلمي الجنوبي منذ 2007م ومازلنا نؤيده، ولأجله أيضًا خرجنا في ثورتنا الشبابية الشعبية السلمية في عموم اليمن انتصارًا لكل أبناء الوطن في الجنوب والشمال، في الداخل والخارج، وانتصارًا ووفاءً لكل شهداءنا الأبرار شهداء سبتمبر وأكتوبر شهداء الحراك السلمي والثورة الشبابية الشعبية السلمية، وانتصارًا للقيم والمبادئ التي استشهدوا لأجلها، لكل هذا نقدم محتوى القضية الجنوبية بكافة أبعادها :

 المحتوى النفسي والاجتماعي:

 لابد من الإشارة هنا إلى أن هذا البعد الذي قد يتناساه البعض في رؤاهم السياسية ودراساتهم الموضوعية للقضية الجنوبية، حيث أن للعامل النفسي أهميته القصوى في القضية الجنوبية حيث يمثل حالة الرفض الشعورية للممارسات والاجراءات التعسفية التي اتخذت بحق الإنسان، والتي سرعان ما تتحول إلى حالة رفض عامة تتشكل سياسيا واجتماعيا بصور مختلفة، خلال كافة المراحل السياسية ابتداءً من نوفمبر67م حيث كان إقصاء رفاق البندقية من جبهة التحرير الأمر الذي ترك أثرا بالغا عليهم إلى يومنا هذا ، كما أن اعتبار الصراع الطبقي محركًا للتغيير، والعنف الثوري وسيلته في فترة من الفترات واستخدمت طبقة اجتماعية معينة أو تحالف طبقي معين ضد طبقة اجتماعية أخرى وتحالف طبقي آخر، تحت شعار المساواة الاجتماعية وتقسيم الثروة بشكل متساوي ، وما رافقها من الاجراءات الخاطئة والمشاهد المأساوية العنيفة الأمر الذي أوجد حالة احتقان مجتمعي خطير ما زالت آثره حاضرة أمامنا.

 وبحكم أن تلك المرحلة مثلت مرحلة حادة من الصراع السياسي، وكانت تمثل صورة مجتمعية محلية للصراع الطبقي والاجتماعي، فإن عملية استهداف الخصوم بتلك الطريقة قد تجاوزت المحدودية السياسية لتشمل قاعدة مجتمعية واسعة تبعا للتصنيف الطبقي الثقافي والاجتماعي للمستهدفين ، وبتلك الإجراءات تمت عملية إقصاء اجتماعية سياسية لطيف واسع من أبناء المحافظات الجنوبية.

 إن هذه الحالة لدورات الإقصاء السياسي والاجتماعي لعدة أطراف جنوبية في المسيرة السياسية في الجنوب ، والتي تجلت بأوضح صورها باشتراط الطرف الجنوبي الداخل في الوحدة خروج طرف جنوبي من صنعاء كشرط لإعلان الوحدة اليمنية 90م، كل ذلك ألقى بظلاله على أبناء المحافظات الجنوبية وعلاقتهم ببعضهم البعض، بل ومازالت آثارها ماثلة للعيان يومنا هذا.

 أما الكارثة الكبرى لأبناء الجنوب قاطبة كانت في حرب صيف 94م ، والتي لها آثارها النفسية والاجتماعية ، فبعد أن كان الجنوبيون شريك حقيقي فاعل في الوحدة اليمنية صار بعد الحرب طرف خائن ومهزوم، وهنا تعامل الطرف الآخر بثقافة المنتصر المستعلي، وتعامل مع الطرف الجنوبي كخائن مهزوم مما سبب جرحا غائرا في النفوس وشعورا بالانتقاص والتعالي.

 لقد تعامل النظام مع أبناء الجنوب الذين كانوا شركاء الوحدة يوم إعلانها في 90م بعد حرب 94م أنهم خونة وحسب ، ومن تجليات ذلك ما فعله إعلام النظام السابق بصورة غير لائقة عندما يعرض صور فيديو ليوم إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م يقوم بحذف صورة الشريك الجنوبي ، وكأن الوحدة اليمنية أقامها طرف واحد فقط ، وهذا شاهد بسيط على الطريقة التي تعامل بها النظام السابق بهدف إلغاء الشريك الجنوبي بل هي محاولة بائسة لتزوير التاريخ وقلب الحقائق.

 إن الحرب لا تأتي بخير فبعد أن كان الجنوب ساحة للحرب في صيف 94م والمتضرر الأكبر منها كان المنتظر بعد الحرب أن تتم معالجة آثار الحرب فورا وإعادة اللحمة الاجتماعية والسياسية ورأب الصدع الحاصل بسبب الحرب، ولكن ما حصل عكس ذلك تماما.

 كما أن ما رافق الحرب من تعبئة معنوية ضد أبناء الجنوب واستمرارها بعد الحرب،كما أن الاحتفال والاحتفاء ب7/7 وجعله يوم الانتصار -قبل إلغائه- أثر كثيرًا وأحدث شرخًا مجتمعيًا ، وإن ألغي اعتباره يوم انتصار إلا أنه خُلد بتسمية بعض المعسكرات والمدارس والأماكن العامة باسمه كيوم خالد في حياة اليمنيين !!

 وبعد الانتصار المزعوم الذي يراه الكثير من أبناء الجنوب مصدر إتعاس الجنوب وأبنائه وبداية لمرحلة جديدة متطورة من إقصاء الجنوب نهائيا من المعادلة السياسية ومن تبقى من الجنوبيين في الحكم كانوا باعتبارهم موظفين وحسب لا حاكمين وشركاء ، لقد قضت حرب 94م على ما تبقى من ممتلكات الجنوب وأرضه وثرواته، وأشاع المنتصر بعد الحرب الفتن والثأرات والحروب القبلية ، وعمم انتشار السلاح والمخدرات وتجارتها، وخرب العقول وتوسع في نشر آفة القات ، وأوصلها إلى مناطق لم تكن تعرف القات إطلاقا كحضرموت والمهرة وسقطرى .

 لقد سعى النظام السابق لإحداث تغيير اجتماعي في المحافظات الجنوبية وصبغها بالنظام الاجتماعي في المحافظات الشمالية في محاولة بائسة لإلغاء خصوصية اجتماعية تتميز بها المحافظات الجنوبية وعلى رأسها عدن.

 فشجعت سلطة 7 يوليو 94م إعادة إقامة المشيخات في المحافظات الجنوبية وصرفت لهم المخصصات المالية والأسلحة والسيارات الفارهة واعتمدت لهم وظائف ، والمضحك المبكي في آن واحد أن استحدثت شيخا لمشائخ عدن !!

 وليس بخافي على احد أنه ونتيجة لما تعرض له ابناء الجنوب لكل ما ذُكر سابقا من اقصاء انعكس سلباً على تعامل ابناء الجنوب مع كل ما هو شمالي، فنتج عن ذلك اعتداء واقصاء وترهيب نفسي ومعنوي وكذا اتلاف الكثير من الممتلكات المملوكة لشماليين في المناطق الجنوبية كنوع من التفريغ العاطفي لما يشعر به الجنوبيين من قهر.

 المحتوى السياسي:

 عند الحديث عن المحتوى السياسي للقضية فانه لا يمكن النظر الى القضية من خلال زاوية الاحداث بين عامي 1990م__1994م والخلاف السياسي فيما بين تلك الحقبتين بل يجب مراعاة ما سبق وما تلاهما كما انه من غير المنطقي ان نحصر فضاء البحث لحلول القضية في طيات ما بين تلك الحقبتين فلقد توسعت طاولة العرض السياسي في البلاد ولم تعد مقتصرة على كلا الطرفين المتصارعين في عام 1994م فقد دخل العامل الشبابي والشعبي الثوري وقد توسعت الكيانات الجنوبية المعنية بالقضية الجنوبية مما يستوجب افراد مساحة كافية للقضية الجنوبية لكي تحوي كافة المتواجدين على ساحة الوطن والجنوب بالذات.

 فلقد تمثل الخطأ السياسي من عمر القضية في الاعتماد ع مبدأ الوحدة الاندماجية في حين كانت اليمن في تلك الفترة غير مهيئه لخوض تجربة وحدة اندماجية نتيجة للطبيعة السياسية المعقدة والمليئة بالصراعات والتصفيات سواء داخل كيان الشطرين او بين الشطرين بعضها البعض كما ان الوحدة الاندماجية لم تمثل الاختيار الانسب والصحيح لاختلاف نوعي النظام في الشطرين واساليب ادارتها للسلطة ومؤسسات الدولة سواء على المستوى السياسي او باقي المستويات التعليمية والاقتصادية والثقافية وغيرها ، ولم يحاولا علاج اثار ما قبل 1990م من صراعات وخلافات سياسية مما تسبب بكل تلك الاثار الممتدة ما بين عامي 1990م – 1994م

 ويتمثل ايضا هذا البعد بعدم وضع الضمانات اللازمة للمحافظة على الشراكة في الدولة الوليدة وإنما حرص شريكي السلطة على بقاء مقدرات الدولتين بأيديهما تحسبا لأي طارئ – وقد كان – وتعامل الشريكان في المرحلة الانتقالية من الوحدة بتقاسم السلطة والثروة بينهما ، ولم توضع الأسس والشروط الضامنة للاستمرار الشراكة فيها كتحديد نسبة معينة لكل طرف في البرلمان ومجلس الشورى والحكومة ومجلس الرئاسة ، بل ترك الأمر لانتخابات لم تراعِ أي اعتبار إلا الاعتبار السكاني وهكذا اصطدم شريكا الحكم سريعا عند أول اختبار ديمقراطي سيؤدي إلى حكم ديمقراطي بعيدا عن التقاسم للسلطة والثروة بينهما، وبذلك كان بداية لإقصاء الشركاء وتحجيم موقعهم حيث دخل حليف ثالث في الحكم، ليحصد حزب المؤتمر وحليفه في حزب الإصلاح الأغلبية في البرلمان والحكومة ليصبح نصيب الاشتراكي –شريك الوحدة والحكم – أقل من الثلث ، كما لم يتم متابعة إنجاز اتفاقيات الوحدة – وهي وثائق إجماع وطني ـ والقوانين الرئيسية والأساسية التي تنظم دولة الوحدة على أساس الأخذ بالأحسن.

 كما أن دستور الوحدة المستفتي عليه هذا الدستور الذي طالما عُدِّل، والذي فيه صيغة الحكم الجماعي لدولة الوحدة والشراكة السياسية المتمثلة بمجلس الرئاسة المكون من خمسة أعضاء، تم القضاء عليه بعد الحرب؛ لتدخل البلاد مرحلة الحكم الأسري العائلي المقيت مع الابقاء على شراكة وهمية مع الأطراف الحليفة في الحرب.

 وبعد حرب 94م بلغ حجم الإقصاء والإلغاء لأبناء الجنوب في جهاز الدولة بكافة أجهزتها سواء التنفيذية والقضائية والتشريعية مداه، حيث انخفض تمثيل أبناء الجنوب فيها كثيرا جدا، فانخفض التمثيل في مجلس الشورى ومجلس الوزراء ومجلس القضاء والمجالس التنفيذية إلا ممن كانوا يدينون بالولاء لنظام صالح.

 كما إن تزوير إرادة الناخبين ، في كل دورة انتخابية رئاسية أو برلمانية أو محلية حيث صار الصندوق لا يقبل القسمة إلا على واحد، أضاع أي أمل عند أبناء اليمن عموماً بأي إمكانية لتغيير النظام عبر الصندوق الانتخابي، وللأسف لقد استغل النظام السابق لتنفيذ هذه الجريمة المال العام والسلطة المحلية والمركزية والجيش والأمن، وكل إمكانيات الدولة ، وشكل هذا أكبر قهر للمواطنين، لأنه فرض عليهم ممثلون لا يجيدون سوى التصفيق والهتاف للنظام على حساب الشعب وحياته ومستقبله شمالاً وجنوباً.

 وعمل نظام ما بعد حرب 1994 م , على الاحتكار السياسي والهيمنة على الساحة السياسية عبر سياسات الإقصاء والاستحواذ والتزوير , وقلب الحقائق , حيث عمد على اختلاق الأزمات تلوا الأزمات في سبيل إبعاد الأحزاب الأخرى والقوى السياسية من الساحة السياسية ووصل في الأخير لتصبح السلطة بجهاتها الثلاث في قبضة يده , ومن السياسات المتبعة خلق الصراعات بين أفراد المجتمع وإضفاء صفة الانفصال لكل جنوبي نادي إلى تصحيح مسار الوحدة أو اعترض على الممارسات الغير قانونيه والغير إنسانية، وكما انه عمل على كيل التُهم لأي حزب او كادر شمالي او جنوبي تجرئ ودافع على حق الجنوب في المشاركة الحقيقة وهذا كان واضحا وجليا في السياسات الإعلامية الموجهة والممنهجة من النظام في زرع بذور الفرقى والاختلاف وذلك لمصلحة بقائه على كرسي السلطة .

 ومارس النظام سياسات الترغيب والترهيب للخصوم , فكان يشتري الذمم بالمال والمنصب ومن رفض ولم يقبل هذا هدد في ماله وابنائه وحياته , فعاش اليمن شمالا وجنوبا حالا من القهر السياسي والاستبدادي.

 وعبر أبناء المحافظات الجنوبية بوسائل متعددة عن رفضهم للممارسات الخاطئة التي نفذتها النخبة السياسية الحاكمة من تسريح وتهميش ونهب للممتلكات العامة والخاصة في المحافظات الجنوبية من خلال فعاليات سياسية احتجاجية محدودة العدد والمطالب ، اقتصرت في بداية الأمر على المطالبة الحقوقية ذات البعد الإنساني وفي سياقها الاجتماعي والسياسي والقانوني ، إلا أن السلطة تعاملت مع مطالب تلك الاحتجاجات والفعاليات والاعتصامات الحقوقية والعادلة بنوع من الاستخفاف والتجاهل تارة واستخدام القوة والعنف لمواجهة أي مظهر من مظاهر تلك الاحتجاجات السلمية تارة أخرى أو القيام بحلول ترقيعيه تمثلت بالتعيينات وشراء الولاءات وتوزيع الهبات المالية ، واستخدامها لأوراقها الأمنية والسياسية لممارسة الضغوط على قوى الحراك السلمي الديمقراطي لتثنية عن المطالبة بحقوقه العادلة . وهو ما مثل تحديا إضافيا وجرحا عميقا في مشاعر أبناء الوطن عموما وإخوانهم أبناء المحافظات الجنوبية بشكل خاص .

 وبفعل ممارسات النخبة السياسية الحاكمة الخاطئة اتسعت رقعة الفعاليات والاحتجاجات السلمية وتشكلت العديد من هيئات الحراك لتشمل كافة المحافظات الجنوبية ليأخذ الحراك السلمي بعد ذلك بعدا أخر ويصبح أكثر تشددا في سقف مطالبة ،خاصة بعد استخدام السلطة معهم عمليات القمع والاعتقالات وراح ضحية تلك الاحتجاجات مئات الشهداء والجرحى والمعتقلين.

 المحتوى الاقتصادي والحقوقي :

 ما زالت آثار الكثير من المشاكل الاقتصادية المرتبطة بالجنوب تلقي بظلالها على المشهد السياسي الجنوبي العام إلى يومنا هذا، فالكثير من مقدرات وممتلكات وأراضي الجنوب تم الاستيلاء عليها بالمصادرة والتأميم من ملاكها ، الذين لم يستلموا أي تعويض ولم تتم أي إعادة لممتلكاتهم منذ ذلك الحين بالرغم من أن بعض القوانين للتأميم التي صدرت كانت قد أقرت بالتعويض للملاك عن هذه الممتلكات المؤممة بعد 20 سنة من تاريخ التأميم بسندات حكومية قابلة للتداول ، ولم يستلم التعويض سوى الملاك الأجانب الذين شملهم قانون تأميم المرتفعات الاقتصادية رقم (27) لعام 1969م وحتى قرار مجلس الرئاسة الصادر في 12 ديسمبر 1991م بشأن الاتجاهات العامة للمعالجات الشاملة لقضايا الإسكان لم ينفذ، وبالرغم من أن هذا القرار شابه بعض العيوب القانونية من حيث صدوره كقرار رئاسي وليس كقانون كما تمت التأميمات والمصادرات من خلال قوانين رسمية ، كما افتقد الآلية المناسبة للتنفيذ، وخلال الأربع السنوات الأولى من الوحدة لم تتمكن الدولة وحكومتها وسلطتها المحلية من تنفيذ سوى الجزء البسيط من إعادة المحلات التجارية ، أما تعويض الملاك عن ممتلكاتهم العقارية السكنية فلم تتوفر الجدية في معالجة هذا الجزء من القرار، كل هذا قبل حرب صيف 94م أما بعدها ، فقد شكلت لجنة لتنفيذ القرار ولم تنجز شيئا ملموسا على مدى 13 عاما سوى حصر الملاك وتحديد التعويضات مع وقف التنفيذ لأنه ببساطة كل ما خصصت أراضي للتعويضات ، تم الاستيلاء عليها أو تخصيصها للغير من قبل الرئيس المخلوع أو مصلحة أراضي وعقارات الدولة والنافذين.

 وليس هذا فحسب فقد جرى التحايل على هذا القرار قبل صدوره وبعد صدوره وذلك بتمليك وتوزيع المحلات والشقق والعمارات والفلل والمساكن التي نص عليها القرار بالإعادة لملاكها فقد وزعت على المقربين من سلطة المنتصر في حرب 94م ، بل وتم توزيع مساحات واسعة من الأراضي في المواقع المهمة والتجارية تحت مسميات “سكني / تجاري” ومشارع وهمية استثمارية للمقربين وكبار المسئولين والمتنفذين ، ولم تَسلم حتى الأراضي الزراعية وشبه الزراعية والبور المحيطة بعدن والتي كانت قد أممت وصودرت بقانون الإصلاح الزراعي ، وأصبحت أراضي للدولة ، ولكنها وزعت لمجاميع متنفذة وكوادر قيادية تحت دعاوى جمعيات زراعية وهمية ، ولأناس ليس لهم علاقة بالزراعة ، وأُهُمل ملاكها الأصليون ، أو على الأقل من كانوا ينتفعون بها بالرعي أو بالشفعة، وهكذا عُبث بأراضي الجنوب ، ليأتي الفريق المنتصر في 94م ليعبث بها أضعاف ذلك، فقد أحكم هذا الفريق قبضته على قضية الأراضي والعقارات في الجنوب من خلال السيطرة التامة على قيادات فروع وزارات الإسكان ومصلحة أراضي وعقارات الدولة ، حتى أصبحت المصلحة متفرغة تماما بوتيرة عالية لتوزيع أراضي وعقارات الدولة في الجنوب لكل المتنفذين من كل أنحاء اليمن بما فيهم كبار المشائخ والعسكريين وكبار المسئولين والمتنفذين، لقد أصبحت أراضي الجنوب مشاعا ومباحا لكل المتنفذين والمسئولين وكل أفراد الحاشية والأسرة الحاكمة، وما أذكره هنا ليس سرا خافيا عليكم لكنه منشور ومعلوم للجميع وبعضها تقارير رسمية منشورة أشهرها تقرير “باصرة ، هلال”.

 لقد أصبحت أراضي الجنوب مرتعا للهدايا والهبات لكل من يُراد شراؤه أو استمالته أو اسكاته ، ومعظمها صرفت بالمجان بتعليمات مباشرة من الرئيس السابق وخصوصا لكبار العسكريين والمتنفذين.

 إن هذه التصرفات العبثية من أكبر المآسي والكوارث التي حلت بالجنوب ومن أهم القضايا التي يجب أن تحسم في مؤتمر الحوار الوطني وتعاد الحقوق لأهلها وتعويضهم التعويض العادل عن كافة الأضرار المادية والنفسية.

 لقد تسببت حرب 94م بأضرار جسيمة تتضح معالمها بالعديد من الإجراءات وعمليات واسعة للنهب والفيد وعلى سبيل المثال لا الحصر:

 خُفضت كل فروع الوزرات والأجهزة الحكومية والمصالح والهيئات المتواجدة في محافظة عدن من مستوى فروع يرأسها وكلاء وزارات حسب الاتفاق الوحدوي ، إلى مجرد مكاتب عامة يرأسها مدراء عموم ، وما ترتب عليها من تخفيض لمستويات المسئولين فيها وصلاحياتهم ، وما يلحقها من تخفيضات في مستوى الإدارات العامة والإدارات والأقسام والوحدات التابعة والمؤسسات العامة المتبقية . وكان ذلك بموجب قرار مجلس الوزراء ودون أي مسوغات قانونية سوى تقليص دور عدن والانتقام منها .

 طُلب من كل الشركات الأجنبية النفطية وغير النفطية وشركات الخدمات المختلفة وحتى الاستثمارية التي كانت مكاتبها الرئيسة في عدن الانتقال إلى صنعاء وإغلاق مكاتبها في عدن ، ولم يكن هناك ما يبرر ذلك سوى محاولات إبتزاز هذه الشركات من خلال تأجيرها لعقارات المسئولين في صنعاء لهذه الشركات بأضعاف الإيجارات التي كانت تدفعها بعدن ، وتمهيدا للسيطرة على كل أنواع الخدمات اللوجستية التي كانت تقوم بها الشركات نفسها أو توكلها لشركات متواجدة في عدن ، وأيضا للقضاء على الأعمال التي انتعشت بعدن من جراء تواجد هذه الشركات فيها ، وأيضا لزيادة حدة البطالة في عدن بعد تخلي الشركات عن موظفيها المحليين من عدن ، واستبدالهم بطواقم كاملة من صنعاء .

 إقصاء كل القيادات الإدارية والفنية السابقة التي كانت تشغل وظائف نواب وزراء ووكلاء ومدراء عموم أو مدراء إدارات في الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية ومؤسساتها وفروعها من الجنوبين الذين كانوا يعملون في المركز بصنعاء أو في المحافظات الجنوبية قبل الحرب والذين لم يغادروا ( لم يرحلوا مع القيادات السابقة إلى الخارج) – ومعظمهم من المستقلين ولم يكونوا أعضاء في الحزب الاشتراكي اليمني – من وظائفهم وأعمالهم ، وإبقائهم تحت وضع جديد ، يستحدث لأول مرة في الجنوب ، وضع ” خليك في البيت ” ، وسحبت منهم كل الامتيازات والمزايا التي كانوا يحصلون عليها ، وأبقت على رواتبهم الأساسية فقط . ولا يزال معظمهم حتى الآن يعاني من هذا الوضع منذ عام 1994م ، والبعض الآخر أحيل إلى التقاعد بشكل اقصائي وبدون إعطائه حقوقه المالية المستحقة وفق القانون.

 تسييس الوظيفة العامة في مختلف مفاصلها حتى وصلت إلى الوظائف الفنية كمدراء المدارس ومدراء المستشفيات وغيرها من الوظائف الفنية ، حيث أصبح لا يمكن تعييين وزير أو محافظ أو نائب وزير أو وكيل وزارة أو مدير عام أو مدير دائرة أو مأمور أو مدير عام مديرية أو مدراء عموم مكاتب ، أو مدير أي مدرسة أو مدير مستشفى أو معمل أو خفير أو غفير مسئولا، إلاّ إذا كان منتمياً او موالياً للسلطة الحاكمة.

 ولقد حدثت كوارث حقيقة بعد حرب عام 1994م ، وكان من أهمها وأد وتعطيل أهم المكونات الرئيسية للنشاط الاقتصادي في عدن ، حيث تعرض الميناء والمطار والمصافي للوأد والإهمال والتعطيل ومحاولات طمس تاريخهم الناصع في التجارة الإقليمية والدولية على مدى عدة عقود. فبعد انتهاء إنشاء ميناء الحاويات في المنطقة الشمالية من الميناء ، كمشروع استثماري تم الاتفاق عليه وتنفيذه من قبل المستثمر خالد بن محفوظ ، تحت تسمية شركة ” يمن فست ” وتلتها شركة ” OPM” ، ثم تنافس المتنفذون على الكعكة ، إلى أن تم الاتفاق ، في إطار صفقة سياسية أو كما يدعي المنافسون بأنها ” مشبوهة ” فقد سلم الميناء الشمالي والجنوبي (محطة الحاويات) لشركة ” دبي العالمية ” التي وعدت بتطوير الميناء والاستثمار فيه، ولكنها للآسف أخلت ببنود العقد ونتج عن ذلك انهيار وشلل تام لميناء عدن. حتى جاءت الثورة الشبابية السلمية وعملت على إلغاء هذه الاتفاقية الجائرة كمطلب ثوري وتم ذلك ولله الحمد بفضل الشرفاء من أبناء هذا الوطن الغالي.

 ومثل هذا الوضع حدث مع مطار عدن الدولي ، الذي دمر أثناء الحرب بعد أن كان قد استكمل تحديثه قبل الحرب ، ولكن جاءت هجمة المنتصرين في الحرب لتعاقبه ، فأول ما عملته هو تصفية الكادر الفني وكل المنشآت والورش والطاقم التشغيلي للمطار، ثم جاءت المرحلة الثانية وتم تحويل مطار عدن من مطار دولي رئيسي الى مطار دولي ثانوي لا تهبط فيه الرحلات الدولية إلا فيما ندر.

 أماّ مصافي عدن ، فليس بخافي على أحد الأهمية الاستراتيجية التي تحملها هذه المصافي انطلاقا من موقعها الجغرافي الهام على طريق الملاحة الدولية. ونتيجة لتقادمها وانتهاء عمرها الافتراضي من الناحية الفنية وهي في الاساس تكنولوجيا قديمة عفا عليها الزمن وذات عائد غير اقتصادي ، وكان لزاماً الاسراع في وضع المعالجات الهامة للإبقاء على الدور الجوهري الذي تلعبه المصفاة كمشروع استراتيجي تاريخي يعمل على توفير الاحتياجات الضرورية من المشتقات النفطية سوءاً للسوق المحلي او الدولي .

 لقد اٌستهدف النظام الحاكم المنتصر بعد حرب 94م الجنوب أرضا وإنسانا حيث سرح أبناء الجنوب من السلك العسكري والأمني حيث سرح الألاف القادة العسكريين والضباط والجنود، كما تم تصفية معظم المؤسسات والشركات والمصانع المملوكة للقطاع العام وتسريح موظفيها وعمالها ونقل اغلب أصولها الى المؤسسة الاقتصادية في صفقات مشبوهة اشترك فيها الكثير من اركان النظام السابق، وما تبقى منها تم بيعه تحت مسمى قانون الخصخصة والذي كان فيه الكثير من الإجحاف في حق المال العام.

 ومن أبرز عمليات الفساد في القطاع النفطي والذي كان نصيب الجنوب الجزء الأكبر منه هو عمليات توزيع الامتيازات النفطية على مراكز القوى الحاكمة والمتنفذين وكان ذلك يتم بتوجيهات عليا تمنح بموجبها القطاعات النفطية لسماسرة متنفذين لتسويقها الى الشركات العالمية ويتحصلون من وراء ذلك على حصة في الشراكة معها ، إضافة إلى ملايين الدولارات التي يحصلون عليها اثناء إتمام التوقيع على هذه الاتفاقيات، وكل ذلك يتم من دون فتح باب التنافس على هذه القطاعات وفقا لما يوجبه القانون ، وكما تم إنشاء شركات خدمات نفطية مملوكة لبعض كبار المسؤولين المتنفذين حيث يتم ـ وبتوجيهات عليا ـ التعاقد معها من الباطن بعقود احتكارية ، ولقد كان لهذه الشركات أثر كبير في المبالغة في تقدير نفط الكلفة الذي أصبح يستهلك الكثير من كمية النفط المستخرجة، وهي كلفة عالية تدل على حجم الفساد في القطاع النفطي ومستوى العبث بموارد الدولة لصالح جيوب المتنفذين والشركات التابعة لهم.

 وفي القطاع السمكي يتم احتكار ومنح التراخيص لشركات اصطياد من وراها نافذين وبشكل مجحف يؤدي إلى إهدار وتدمير الثروة السمكية بسبب الاصطياد العشوائي بطرق تضر بالبيئة البحرية كاستخدام أساليب التجريف والتفجير ، والاصطياد في مواسم التبييض التي يمنع فيها اصطياد أصناف معينة من الاسماك حفاظا على هذه الثروة من النضوب، والأضرار بالصيد التقليدي جراء عدم الالتزام بالصيد في عمق المياه الاقليمية ، والاقتراب من شواطئ الساحل الذي يعد منطقة للصيد التقليدي مما أدى إلى تراجع مهنة الصيد التقليدي التي يعتمد عليها عدد كبير من ابناء المناطق الساحلية بشكل عام شمالا وجنوبا، ولا ننسى هنا بالإشادة لقرارات الرئيس عبدربه منصور هادي الاخيرة بإلغاء جميع العقود المجحفة في هذا المجال …ونأمل ان تكون قد نفذت تلك القرارات فعليا على ارض الواقع…

 ولقد بدأت بعد حرب 94م أكبر حملة عقاب جماعية ضد الموظفين المدنيين والعسكريين فبعد أن فقدوا وظائفهم التي كانوا يعملون فيها في المؤسسات العامة “مؤسسات القطاع العام” الصناعية والزراعية والسمكية والإنشائية والخدمية والتي صفيت في عدن ، وحملت الرواتب الأساسية لجزء منهم على الموازنة العامة عبر صندوق العمالة الفائضة ، والبقية أرغموا على التقاعد المبكر بمرتبات لا تفي بأهم احتياجاتهم الأساسية ، وبدء بعد ذلك مسلسل الإحالة للتقاعد الإجباري المبكر لعشرات الألاف من العسكريين العاملين في القوات المسلحة والأمن ، وبعضهم في تخصصات عالية كالطيارين والمهندسين والمتخصصين في مجالات نوعية كالصواريخ والمدرعات والحماية الجوية وغيرها، وقد شملت الإحالة للتقاعد كل الرتب العسكرية من عميد ركن إلى جندي .

 ثم تبعتها حملات مكثفة لإحالة المدنيين للتقاعد كمرحلة ثانية ، مما نتج عنه حركات احتجاجية في مارس 2007م تحت مسمى جمعيات المتقاعدين .

 إن محتوى القضية الجنوبية ومظاهرها بكافة أبعادها يشكل جوهر القضية الجنوبية التي ينبغي أن يدرس دراسة أكثر دقة وموضوعية مستندة على الأرقام والتقارير الميدانية ، كما أن هذا الدراسة ستهدف إلى وضع المعالجات الصحيحة في سياقها المناسب.

 نحن شباب الثورة الشبابية الشعبية السلمية نشد على أيدي جميع المكونات السياسية والمدنية أن يتعاملوا مع هذه القضية بمنطلقات وطنية بعيدا عن المماحكات السياسية ناظرين بإحدى أعيننا إلى مستقبل بناء يمن جديد وبالعين الأخرى إلى ماضٍ أصبنا فيه وأخطأنا فنأخذ منه العبر والدروس.

 ولنستمر في حواراتنا للوصول لرؤية مشتركة للجذور القضية الجنوبية ومحتواها هدفها الأول إنصاف الإنسان اليمني والجنوبي على وجه الخصوص من منطلقات انسانية أولاً وباعتباره شريك حقيقي في الوطن ثانيًا، واضعين نصب أعيننا قيام ثورة شبابية شعبية سلمية أطاحت برأس النظام واسرته وغيرت المفاهيم الخاطئة وقدمت مئات الشهداء لتصحيح وضع البلاد وإعادة الحقوق لأهلها.

 إننا نعلم يقينا أن تركة النظام السابق كبيرة ولكن أملنا في الله كبير ، ثم بشباب اليمن وعقلائها من كافة المكونات السياسية والمدنية والاجتماعية.

 وفقنا الله وإياكم لما فيه مصلحة البلاد والعباد

  مقدمه من : م/ نادية عبدالله الأخرم

 أحدى شباب الثورة المستقلين بـ فريق القضية الجنوبية – بالحوار الوطني الشامل

 18 – 5 – 2013م

زر الذهاب إلى الأعلى