كتابات

تقويم الجلسات الأولى لمؤتمر الحوار الوطني

pr-45-16060

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآلاه
وبعد:
فإن الحديث عن تقويم الجلسات الأولى لمؤتمر الحوار الوطني يقودنا إلى تسليط الضوء على عدة نقاط ألخصها في الآتي :-
أولا: الجوانب الإيجابية .
من المؤكد أن مؤتمر الحوار الوطني يعتبر نقلة نوعية في مسيرة العمل السياسي ليس في اليمن فحسب بل وفي المنطقة بأكملها لذا فقد ناله حظ واسع من التغطية الإعلامية محليا ودوليا حتى غدا محط أنظار العالم الذي بدأ وكأنه مدهوش أمام ما يجري في اليمن من تحولات تتسم بأنها حضارية في المقياس العالمي ناهيك عن المجتمعات التي كادت أو أوشكت أن تنزلق إلى أتون الحروب والصراعات الأهلية.

أ‌- فالحدث كان كبيرا بحجم اليمن حيث مثلت فيه جميع الأطراف السياسية الكبرى على الساحة اليمنية, وشارك فيه كبار القادة من مختلف القوى السياسية والاجتماعية بحيث نستطيع أن نجزم بأنه قد استوعب الغالبية العظمى من المكونات الفاعلة على الساحة السياسية اليمنية.

ب‌-نتفق أو نختلف على أنه قد حُضِّرت هذه الفعالية بطريقة طوعية أو قسرية تحت تخويف المجتمع الدولي لمعرقلي التسوية السياسية إلا أنه من الواضح أن المسؤولية كانت حاضرة وربما كان أبرز الدوافع لها هو الحرص على إجراء العملية التغييرية والانتقال إلى مرحلة جديدة تعفينا من ويلات الحقب السالفة التي أوصلتنا إلى هذه الحالة التي أدرك الجميع أننا خلال خمسين عاما قد عجزنا عن بناء دولة العدل والمؤسسات التي يتطلع إليها أبناء الشعب اليمني.

ج‌-لقد أكد اليمانيون –رغم انتشار الأسلحة المختلفة في اليمن- أن منطق الحكمة لم يزل حاضرا في وعيهم وأنهم متى ما توفرت لهم فرصة الانتقال إلى العمل المؤسسي الراشد وإقامة الكيان السياسي الذي يحفظ للجميع حقوقهم وثوابتهم الدينية والدنيوية سوف يكونون أسرع الناس إلى الاستجابة لمتطلبات التغيير خلافا لما يظنه الذين لا يدركون أغوار التركيبة الاجتماعية اليمنية من أنهم بعيدون بمسافات كبيرة عن قيم التحضر والاستجابة لمتطلبات سيادة النظام والقانون.

د‌-ربما كان من أبرز الجوانب المشرقة هو أن يلتقي خصوم الأمس على طاولة الحوار لا لمجرد حل نزاعاتهم وإصلاح ذات بينهم -رغم عدم تسوية هذه المعاني حتى اللحظة- وإنما لبناء يمن جديد وهذا ما يؤكد على أن العقلية اليمنية قادرة على تجاوز المعضلات مهما كانت وعلى أن مصلحة اليمن الكبرى يمكن أن تكون أولوية لدى الجميع متى ما شعر الجميع بأن ذلك متحقق من خلال مؤتمر الحوار الوطني.

إذا نحن أمام فعالية أكسبت شعبنا اليمني صورة جديدة من صور التسامح ونسيان الذات والتغلب على المصالح الخاصة والضيقة.

ه‌-وهناك جوانب ينبغي أن تذكر وهو أن انطلاق مؤتمر الحوار الوطني قد أعطى رسائل ومؤشرات للشعب اليمني بأن مستقبلكم خير من ماضيكم, وأن أموركم غداً خير من أمسكم, وأننا جادون وماضون في حلحلة مشاكلكم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى تحقيق طموحاتكم وتطلعاتكم وأن القضايا العالقة “الجنوبية وصعدة” في طريقها إلى الحلول العادلة وهي مبشرات مهمة في هذه المرحلة الدقيقة للشعب اليمني الذي يراد له من قبل خصومه أن يظل على هامش الحياة بل وأن يتمزق ويتشتت بحيث لا ينهض من كبوته ولا يصحو من غفلته سواء كانت هذه الجهات داخلية تتمثل في الذين يرفضون التغيير وأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان , أو في الخارج المتربص الذي يراهن على أن يبقى اليمن في ذيل القائمة بسبب غياب المشروع العربي والإسلامي الكبير.

ثانيا : الجوانب السلبية.

من المؤكد أن عملا كبيرا بحجم مؤتمر الحوار الوطني لا بد وأن تصحبه جوانب سلبية وهي بطبيعة الحال تختلف من جهة إلى أخرى في تقييمها وتقدير حجمها بحسب منطلقات تلك الجهة أو رؤيتها لكنها تظل ملحوظات يتفق أكثر الناس على جلها أو بعضها ثم يتباينون في أولوياتها وضرورياتها

ولعل أبرز ما أثار التساؤلات في الجلسات الأولى لمؤتمر الحوار الوطني ما يتعلق بقوامه وأعضائه ومدى مصداقية التمثيل الحقيقي للقوى السياسية والاجتماعية في الشعب اليمني وهل هناك رضا شعبي واجتماعي عن هذه الطليعة المهمة التي سترسم معالم السياسة المستقبلية لليمن وهل ستحظى مخرجات الحوار الوطني بإجماع شعبي يرضي جميع مكونات الشعب اليمني؟ وهل هناك فئات أقصيت من الحوار بقصد أو بغير قصد؟.

‌أ. فشباب الساحات الذين أوصلوا المؤتمرين إلى هذا المؤتمر التاريخي لم يمثلوا تمثيلا حقيقيا بحسب رأي الكثير, والسبب يعود إلى المعايير غير الموضوعية التي أعتمدتها اللجنة الفنية لتحديد الفئة المستهدفة من مكونات الشباب حيث ترك المجال عائما وغير محدد بناء على حسابات سياسية مختلفة, واللجنة الفرعية التي أوكل إليها اختيار هذه الفئة كانت كما أظن غير متفاعلة مع مسيرة التغيير الشبابية التي حدثت في اليمن إضافة إلى أن تمثيل الشباب لم يقم على أسس دقيقة لاختيار هذه الفئة المؤثرة في مجريات أحداث الربيع العربي لذا فقد آثرت بعض الرموز أن تعلن احتجاجها على غياب التواجد الحقيقي لهذه الفئة.
كما فعل الأستاذ محمد اليدومي حينما أعلن انسحابه عن المشاركة في الحوار الوطني لصالح بعض شباب الساحات ومن قبله مقاطعة توكل كرمان.

‌ب. وعلماء اليمن أقصوا تماما من الحوار الوطني سواء جمعية علماء اليمن أو هيئة علماء اليمن أو غيرهم ومثل هذا الغياب لا شك أن له تأثيره السلبي على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقد كان بالإمكان اعتبارهم مكونا أساسيا أو إدراجهم ضمن منظمات المجتمع المدني أو في أقل الأحوال اعتبارهم ضمن قائمة رئيس الجمهورية كل ذلك لم يحصل للأسف وهو ما سيشكل معضلة في مستقبل الأيام لدى قطاع كبير من أبناء الشعب اليمني الذين لا يرون حضورا للعلماء في هذا المؤتمر, وهو ما يعني أن بعد الشريعة الإسلامية في الحوار سوف يظل محل تساؤل لدى قطاع كبير من أبناء الشعب اليمني لا سيما وأن قطاعا لا بأس به من العلماء قد دأبوا ينادون بضرورة إعلان سقف الشريعة الإسلامية لمؤتمر الحوار الوطني كضمان وتأكيد لهوية الشعب وهي تخوفات في محلها إذا ما قورنت مسارات التحولات في اليمن بما يجري في مثيلاتها كمصر وتونس وغيرهما.
ومثل هذا الإبعاد لشريحة العلماء قد يفسره الكثير بأنه غير عفوي وإنما هو متعمد من قبل جهات خارجية وأجندة تعمل على إقصاء القوى المحافظة من المشهد السياسي وهي حسابات خاطئة سوف تقود اليمنيين إذا ما تسلسلت إلى عوائق وصراعات وإشكالات هم في غنى عنها باعتبار الشعب اليمني له خصوصياته التشريعية والثقافية والاجتماعية الراسخة التي ورثها ومارسها ودأب عليها قرونا من الزمن منذ فجر الرسالة الإسلامية.

ج‌ – ويزيد من التأكيد لما سبق غياب مؤسسات المجتمع اليمني ذات العمق الاجتماعي الواسع الانتشار فالجمعيات الخيرية العريقة الممتدة في طول البلاد وعرضها رغم ما قدمته من تنمية شاملة وخدمة مجتمعية هي الأخرى نالها حظ واسع من الإقصاء والتهميش بحجج لا ترقى إلى إزالة الشبهات المطروحة حول إقصائها فضلا عن حضور مؤسسات مدنية لا تقارن -أو قليلة الجدوى المجتمعية- إذا ما قورنت بتلك المؤسسات الفاعلة التي تلامس هموم الناس بصورة يومية.
وفي ذات السياق ثم إقصاء نقابة خطباء اليمن رغم وجود نقابات هامشية على الساحة اليمنية ومثل هذه الشريحة الواسعة التي تخاطب جميع الشعب اليمني في كل أسبوع مرة كان من المفترض أن لا تكون غائبة وأن تستوعب في الحوار الوطني حتى ينال ثقة الجماهير الواسعة في المجتمع عبر هذه الشريحة المهمة.

د‌ – وفيما يتعلق بشريحة النساء من الواضح –أيضا- أن التمثيل الحقيقي لنموذج المرأة اليمنية أو السواد الأعظم لم يكن حاضرا على الوجه الحقيقي للمرأة اليمنية حيث كان الحضور الأكبر للنموذج الذي يراد تسويقه مخالفا للقيم الاجتماعية العامة, والواقع أكبر شاهد على ذلك, ولا سيما فئة النساء المستقلات – حسب المزاعم- عن المكونات السياسية
وهي نقطة تضاف إلى سابقتها في الإقصاء المتعمد للقوى المحافظة وفرض النموذج الوافد وتجاوز خصوصيات الشعب اليمني في هذا المجال.

ه‌ – من الواضح أن تمثيل قضية صعدة لم يكن عادلا فقد مثلت حركة الحوثيين بـ 35 مقعدا بصورة رسمية ولم يمثل أحد من جهة ضحايا صعدة من النازحين والمشردين ومثل هذه المعادلة تجعل الكفة غير متساوية تماما وهو ما يثير السخط لدى قطاع واسع من أبناء محافظة صعدة والمهتمين بهذه القضية من أبناء الشعب اليمني, وقد مثل انسحاب حميد الأحمر إشارة واضحة في هذا الجانب بعد أن تخلى عن مقعده لصالح أحد أبناء صعدة.

و‌ –  من الأمور التي يستدعي أن نتوقف عندها بروز روح المناطقية ودعاوى  المظلومية من القضية الجنوبية إلى صعدة إلى تهامة ومأرب والبيضاء والمناطق الوسطى وغيرها؛ بحيث غدا كثير من الناس لا هم له إلا قضيته الجزئية مع خفوت ملحوظ لقضايا اليمن الكبرى ومنها الوحدة اليمنية التي حاول الكثير أن يتجنبوا تكرار الحديث فيها مراعاة لظروف بعض الأطراف السياسية واستمالة لهم وهو ما يعني أن مشروع اليمن الكبير بحاجة إلى إعادة النظر في عرضه وطرحه من قبل أطراف العمل السياسي في مؤتمر الحوار الوطني.

ز‌ – هناك خطاب يتكرر يتسم بالمبالغة في ضرورة إنجاح المؤتمر الوطني وأنه الخيار الوحيد للشعب اليمني ولا بدليل له إلا السلاح والقتال ونحو ذلك ومثل هذا الخطاب –مع تقديري لبعض الحاملين للوائه- غير مناسب ولا واقعي من الناحية السياسية فبالرغم من وجود الفرص الكثيرة محليا ودوليا إلا أن هناك مخاطر لا بد وأن تكون في الحسبان ولا يصح إغفالها فيما لو أرادت بعض القوى السياسية أن تنسحب من مؤتمر الحوار وبخاصة إذا تم هذا بتحالف فريقين أساسين هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن وجود خارطة بديلة فيما لو تعثر مؤتمر الحوار الوطني ينبغي أن يكون حاضرا في الحسبان ولا سيما عندما يعلم أن أغلب المؤتمرات الحوارية الوطنية في العالم -حسب تقدير خبراء دوليين- كانت غير ناجحة وهو ما يعني أن وضع هذا الاحتمال وإن بدا تشاؤميا إلا أنه سيظل قائما.

ح‌- بخصوص فريق القضية الجنوبية لاحظت بعض الأعضاء من المناطق الجنوبية متذمرين من التمثيل الحاصل فيها ويؤكدون أن لونا واحدا هو الأبرز فيها وهذا ما كنت قد أكدته في اللجنة الفنية إلى ضرورة زيادة العدد إلى (60) بدلا من أربعين عضوا حتى يتم استيعاب الجميع وتقطع مداخل الظنون التي قد يفسرها البعض بأنها تأتي في سياق خصومات مناطفية وتاريخية يفترض أننا قد تجاوزناها إلى بناء الدولة اليمنية العادلة التي يشترك فيها جميع أبناء الشعب اليمني من مختلف مناطقه.
تلك كانت أهم الملحوظات الجوهرية فيما يتعلق بالتقويم الأولي لمؤتمر الحوار الوطني.
وأما الجانب الشكلي فبالرغم من أهميته إلا أن أمره أيسر بكثير من غيره إذ أنه في نهاية المطاف لن يستمر تأثيره طويلا ولن يحدث شرخا في مخرجات الحوار الوطني الحقيقية لكن لا بأس من الإشارة إليه ولو في نقاط.

أولا:- فيما يتعلق بإقرار النظام الأساسي كان يفترض أن يقر بطريقة أكثر شوروية من الطريقة التي قرر بها وأن يعطى للناس فرصة كافية لإبداء ملحوظاتهم حوله فهذا حق لهم.

ثانيا:- هيئة رئاسة المؤتمر لم تكن متوازنة فقد غاب الشباب والفعاليات الأخرى ومثل المشترك بثلاثة رغم أنهم مكون واحد فقط من بين ثمانية مكونات لمؤتمر الحوار الوطني.

ثالثا:- آلية اتخاذ القرار في المرحلة الأولى توافقية إلى 90% والثانية أغلبية إلى 75% والثالثة مردها إلى الرئيس مع لجنة التوافق وكان الأصل أن تكون أغلبية بسيطة 51% أظن ذلك أقرب إلى الصواب؛ لأنه والحالة هذه سوف يكون مرد القرارات الفاعلة والمصيرية بيد الرئيس لا المؤتمر الذي سيبقى وكأنه ظاهره إعلامية في أخطر القرارات التي بكل تأكيد لن تحظى بتلك الأغلبية المطلوبة

رابعا:- آلية اختيار الفئات غير المهيكلة في فرق العمل (الشباب- النساء- منظمات المجتمع المدني- قائمة الرئيس) لم تكن محل رضا من الكثير وقد يكون مقبولا إلى حدما لكن لوحظ عدم وجود معايير دقيقة لاختيار هذه الفئات وعدم الاستفادة من التخصصات المتنوعة التي قد تثري مؤتمر الحوار الوطني مما أثار سخطا لا بأس به في أوساط هذه الفئات .

خامسا:- آلية اختيار رؤساء الفرق لم تكن موفقه حيث لم تقم على تسوية عادلة ولم تقم على انتخابات حرة مما أوجد استياء بعض القوى السياسية, ولعل ما جرى من تعثر لفريق صعدة شاهد على ذلك.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

بقلم/ د. محمد بن موسى العامري

رئيس اتحاد الرشاد اليمني

23/ جمادى الأولى/1434هـ

المـوافــق: 9/4/2013م

تعليق واحد

  1. ما قلته يا شيخنا صحيح وهذا نتيجة الانتداب الأمريكي على اليمن بدليل ذهاب اللجنة التنظيمية إلى الحوثيين أكثر من مرة ولم يدعوا القاعدة مجرد دعوة وكانت ستستجيب ولك أمريكا لم ترضى عنهم ورضيت عن الحوثي وأريد منك ياشيخنا أن ترد على من يقسم اليمنيين إلى أكثرية وأقلية ويطالبون بحقوق المرآة والطفل بأن اليمنيين شعب واحد كما قال النبي صل الله عليه وسلم عندما خطب أول جمعة في المدينة – وكانوا كما تعلم طوائف شتى – ( أهل يثرب أمة واحدة ) وجزاك الله خير .

زر الذهاب إلى الأعلى