كتابات

الحوار الوطني .. عندما نتعلق بالوهم

رضوان السماوي  رضوان السماوي*

الثورات التي قامت في اليمن كانت تهدف إلى تحسين الوضع العام للمجتمع والدولة، المتابع للثورات في القرن الحديث وأدبياتها بدءاً من ثورة الأئمة ضد الأتراك إلى اليوم يجد أنها تتحدث عن نفس المفردات والأهداف: الحرية، العدالة، العيش الكريم، المساواة.

المواطن اليمني العادي لم يلمس الحد الأدنى من التغيير المنشود الذي ينشده، تعاقبت الثورات من ثمانية وأربعين إلى خمسة وخمسين إلى 62 وظلت الآمال معلقة، جاءت الوحدة اليمنية كنتاج طبيعي لانهيار المعسكر الشرقي في عقر داره الاتحاد السوفياتي وتفككه، وكانت بمثابة هروب إلى الأمام من الحزب الاشتراكي، تلقفها الشعب اليمني بالقبول أملاً في حياة أفضل، تبخرت آمال اليمنيين بسبب الموقف السياسي الذي اتخذته دولة الشراكة بين المؤتمر والاشتراكي من حرب الخليج، وطردت دول الخليج مئات الآلاف من اليمنيين، ودخلت اليمن في متاهة الفقر والضياع وسوء الأحوال، وبدلاً من أن تتوحد الجبهة الداخلية للقيادة اليمنية لمواجهة الحصار الخليجي، تفتت تلك الجبهة وتمزقت ودخلت في صراع انتهى بحرب 1994م، وقامت تلك الدول الخليجية انتقاماً من الموقف الرسمي لصالح بتأييد الانفصال إعلامياً وعسكرياً.

علق اليمنيون آمالهم على تلك الحرب وحسمها وأخرج الحزب الاشتراكي من المعادلة أملاً في الاستقرار والتنمية، لكن صالح ذهب بالبلد نحو الاستبداد والتوريث وظهرت موضة الجمهوملكيات.

ظل الشعب اليمني يكابد البؤس والحرمان بصمت، حتى جاءت ثورات الربيع العربي فانطلق الجميع ينشدون التغيير والحرية والعدالة والمساواة والعيش الكريم، لكن قوى الظلام “السعودية، أمريكا ” وقفت للثورة بالمرصاد وحولتها إلى أزمة سياسية انتهت بمبادرة وهذه المبادرة أنتجت الحوار الذي نحن اليوم بصدده، وقد عملت الآلة الإعلامية والأحزاب السياسية على الضخ المتعمد أن هذا الحوار هو الأمل للخروج باليمن من الأزمة التي يعانيها فهل ذلك صحيح؟

حتى نجيب على هذا التساؤل علينا اولاً تحديد الهدف من الثورة ومن الحوار.. في تقديري أن هدف اليمنيين يتلخص في أهداف خاصة وأهداف عامة، الأهداف الخاصة هي العيش الكريم والعدل والمساواة في ظل الأحكام العامة للإسلام وزوال كل المظاهر السيئة من الممارسة العلنية أو الحد منها حتى لا تكون هي الأصل والمظاهر الحسنة هي الاستثناء، أما على المستوى العام فكل يمني يتمنى أن يرى المسجد الأقصى محرراً من دنس اليهود والمسلمين متحدين ويتعاملون مع العالم الآخر بندية أو على قدم المساواة غير خاضعين للهيمنة النصرانية الغربية.

على ذلك نقول إن الهيمنة الأمريكية عبر أدواتها في المنطقة والعالم ظاهرة في الحوار من خلال إقصاء مكون مهم من الشعب اليمني هم العلماء من مختلف التيارات الإسلامية سواء الرسميين أو غير الرسميين، وكذا إقصاء تيار يمني كان له وجود على الأرض هو تنظيم القاعدة والذي سيطر على محافظة كاملة وأجزاء من محافظات أخرى كما قال بن عمر في مؤتمر صحفي عقده يوم الأربعاء 20/3/2013م، وهذا يؤكد تحكم هذه القوى العالمية والإقليمية في الحوار وتجييره في اتجاهات مختلفة بعيدة عن الإرادة اليمنية الحقة، فبقاء القاعدة خارج الحوار هو نقطة توتر كان على اليمنيين التخلص منها إن أمكن وعدم ترك مسمار جحا لأمريكا للتدخل في اليمن، وكان الأصل على كل القوى التي تدعي الوطنية والمقاومة للهيمنة الأمريكية أن تدفع في هذا الاتجاه والقبول بالقاعدة اليمنيين كمحاورين يمكن حل خلافاتنا معهم.

كما أن عدم الضغط من المؤسسة الأممية ومن الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية على تيار مؤثر وله ثقل اليوم في الجنوب يقوده علي سالم البيض وعلي ناصر والعطاس وحمله على الدخول في الحوار يجعلنا ننظر بعين الشك والريبة من هكذا تصرفات وفرز للمتحاورين، وكأن ما يجري لا يعدو أن يكون عملية تسخين وتنضيج للقضية الجنوبية تمهيداً لفصل شمال اليمن عن جنوبه. الدولة الجديدة في الجنوب لا زال أمامها الكثير من الوقت للظهور وتكوين هياكل ومؤسسات الدولة؛ فالجيش مثلاً يجري الإعداد له من قبيل اللجان الشعبية التي تشكلت لمواجهة القاعدة والجناح المسلح للحراك الذي يتشكل اليوم وهو نواة الجيش القادم في الجنوب ويحتاج إلى مزيد من الوقت للتشكل. ودعم مشروع الانفصال اليوم غير مقبول من المنظمة الأممية وأمريكا والسعودية وسيكشف عن وجهها الكالح المتآمر لكنها تعطي الفرصة لأدوات المؤامرة المحلية أن تشتغل بكل أريحية ودون أي ضغوط عليها للدخول في الحوار.

كما أن وجود قوى مؤيدة للانفصال في الحوار كالحوثيين سيمهد للمرحلة الأولى التي ستسبق الانفصال تحت ذرائع ومسميات جرى تجميلها كالفيدرالية ونظام الأقاليم.

يؤكد هذا الطرح ما يتم تداوله عن قيام أمريكا بتوسيع قاعدة العند وإجراء العديد من المشاريع فيها.

كل هذا تهيئة لبقاء أمريكا في الجنوب لمساعدة الدولة القادمة لمواجهة الإسلاميين من الإصلاحيين والسلفيين والقاعدة الذين سيجدون أنفسهم مكشوفين أمام تيار استئصالي جمع بين حقد الاشتراكيين وثقافتهم الماركسية ولؤم الرأسماليين والغربيين، حينها سيتنادون للدفاع عن الذات؛ لكن بعد أن فاتهم القطار وخسروا الكثير من أدوات القوة والتأثير في صنع المستقبل والحفاظ على مكسب الوحدة الذي يحميهم ويضمن لهم ممارسة أنشطتهم بسلام وأمان.

أمريكا والسعودية والأمم المتحدة تملك من الأدوات الكثير لإرغام من ذكرنا على الدخول في الحوار.

في شمال اليمن ومن بعد انتخابات 1997م مروراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر جرت عملية إنعاش للفكر الشيعي وكأنه الفكر المعادل للحركة الإسلامية للمناكفة والمواجهة، هذا التوافق بين الحوثيين وصالح لم يستمر، فكانت الحرب التي يلفها الكثير من الغموض فقد بدأت بعد كتابات الخيواني عن التوريث وظن صالح أنها الحل الأمثل في التعامل مع الحوثي وأنه سيضرب عصفورين بحجر واحد؛ بكسر الجناح العسكري للشيعة فيُخرس الأصوات السياسية والصحافية التي أثارت قضية التوريث وتحقق لصالح ما أراد، وقتل حسين الحوثي وطارد قياداتهم وسجن أغلبهم، وأخذ بدرالدين الحوثي وابنه عبدالملك الحوثي كرهائن لديه في صنعاء، وظل الحوثي الأب وولده في صنعاء لمدة تزيد على الشهر وحصل على الأموال والتعويضات من نظام صالح ثم خرج من صنعاء هكذا بدون أن تُثار حول هذا الخروج لهذا العدو أية تساؤلات، ولو كان ذلك الخروج لأسامة بن لادن هل كان سيمر مثل ذلك الفعل مرور الكرام من أمريكا والمحللين والصحافيين لربما وقع صالح تحت طائلة العقوبات الأممية. انطلق الحوثي عائداً إلى بلاده فعمل صالح على إثارة حروبه للتخلص من الجنرال العسكري علي محسن الأحمر كأكبر عائق يقف في وجه صالح التوريثي، إذا علمنا أن صالح رمى بكرت الإصلاح واستبدل كرت الشيعة به لتثبيت مداميك حكمه فكانت بقية الحروب عبارة عن صراع أجنحة بين صالح والجنرال محسن، بمعنى أن صالح كان يريد أن يجعل من صعدة مقبرة له، وهذا ما أكدته العديد من الصحف الشيعية التي كانت تصدر في تلك الفترة من الحرب.

ظهر الحوثي في اليمن كقوة ثالثة على السطح الشمالي لليمن ليكون قوة موازية للقوتين المتمثلتين في المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح.

وعليه فهناك من يرى أن الثورة اليمنية أُصيبت في مقتل من يوم الدعوة التي أطلقها صالح من بعد إرساله القربي ومطالبته بتدخل الأشقاء للحل، بالطبع أمريكا حريصة على بقاء الدولة وهياكلها وأدواتها رغم هشاشتها وضعفها؛ خوفاً من تحول اليمن إلى دولة فاشلة تتنازعها الحروب وأمراء الحرب، مثل هذا المناخ كان سيوفر أرضية خصبة لسيطرة القاعدة على أراضي جديدة في اليمن وربما سقوط اليمن بأكمله في براثن الجهاديين من كل التيارات الإسلامية الذين ربما أن المحنة الحقيقية كانت ستوحدهم على رأي واحد هو توفير الأمن بأي ثمن ولو بالتحالف مع القاعدة.

كل هذه الهواجس وغيرها حركت أمريكا والسعودية في اتجاه المبادرة الخليجية لتحقيق هدفين في وقت واحد: ضرب الثورة وثقافة الثورة في مقتل، وزرع اليأس من أي تغيير أو ثورة. والمحافظة على الدولة وأدواتها لمواجهة التيار المتطرف الذي لا ترضى له أمريكا أن يرى النور، أمريكا لا تخطط للحظة الراهنة التي تعيش فيها هي تخطط لعشرات السنين القادمة، وهي ترى أن بقاء اليمن موحداً فيه مصدر خطر عليها وعلى الهيمنة الأمريكية في الخليج، وترى في دولة موحدة كهذه مقدمة سهلة لأي نظام قادم جاد وصادق في بناء اليمن والعمل على رفع العزة والشأن العربي والإسلامي وتفكيك اليمن يعرقل ويؤخر نجاح مثل هذا المشروع.

الإرادة الأممية وأمريكا (والسعودية التي لا حول لها ولا قوة) عملت بقوة من أجل إظهار الشيعة في اليمن كقوة جديدة يجب الاعتراف بها والتعامل معها من قبل الفرقاء السياسيين المتحكمين في العملية السياسية في اليمن، يظهر ذلك من خلال الكثير من المؤشرات التي أعطتها الولايات المتحدة في هذا الاتجاه فهي حذرت صالح من انتهاكات قد تحدث في حروب صعدة في حينه، مذكرة له بشكل غير مباشر بملف صدام الذي لم يجف حبره ومحاكماته التي كانت تُبث على الهواء مباشرة، وكذا ما تعرض له الرئيس السوداني البشير من خلال مذكرة الاعتقال الدولية الشهيرة التي صدرت بحقه والتي كان لها مردود عكسي على صالح الذي قام بإيقاف الحرب في صعدة في تلك الأثناء أو بعدها ببضعة أيام عقب صدور تلك المذكرة، بل إنه أعلن العفو العام عن الحوثيين من جانب واحد.

علاقة صالح مع الحوثيين كانت حرب كسر العظم، والعالم والمنظمة الدولية والدول الإقليمية لم تتعامل مع الحوثي كما تتعامل مع القاعدة، وهذا يعطينا مؤشراً أن الغطاء الدولي والإقليمي للمواجهة الشرسة مع الحوثيين غير واردة.

تجربتنا كعرب ومسلمين مع أمريكا والأمم المتحدة مريرة وتجربتنا كيمنيين مع السعودية أكثر مرارة، ولذلك فأنا لا أعقد كبير أمل على ما يحدث اليوم في مؤتمر الحوار الوطني للوصول إلى الأهداف التي تكلمت عنها في بداية المقال وعلينا التعامل معه بحذر من قبل السياسيين الإسلاميين وأن يُدركوا هذه المخاطر والفخاخ التي تنتظرهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* رئيس الدائرة القانونية في ‏اتحاد الرشاد اليمني

زر الذهاب إلى الأعلى