فماذا تأمرون؟!
لفت انتباهي قول فرعون للملأ من قومه: {فماذا تأمرون} في سورتي الأعراف والشعراء ..
والمعلوم أن الأمر يأتي من الأعلى للأدنى، وليس من الأدنى للأعلى، وفرعون قد بلغ من التعالي مرتبة لم يسبق إليها حتى ادعى الربوبية والألوهية ..
ولذلك قال أهل سبأ لملكتهم بلقيس: {والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين} وهذا جريان منهم على الأصل بأن الأمر يأتي من الأعلى للأدنى وليس العكس ..
ولعل فرعون لما رأى أن ملكه في خطر، وكرسيه بدأ يهتز حاول كسب قلوب الملأ من قومه والتلطف معهم، وكأن الأمر أمرهم والنهي نهيهم؛ ولذلك قال لهم قبلها: {يريد أن يخرجكم من أرضكم} تحفيزاً لهم لمنابذة موسى عليه السلام..
وكأنه يقول لهم: أنتم المتضررون من دعوة موسى وعمله؛ فدافعوا عن أنفسكم وسيادتكم وما أنا إلا رجل منكم وسهماً في كنانتكم فأمروني بما شئتم !!
وهذا أسلوب يعتاده الطغاة في اللحظات الحرجة والفارقة في أيام دولهم؛ فيتحولون كآحاد رعيتهم وتابعيهم ..
كما إن هذا أسلوبٌ إداري رائع في الظرف الطبيعي؛ فلا يليق بالقائد أن يُشعر المقود بأنه مجرد مأمور ومقود تابع؛ بل لا بد من زرع الثقة في نفسه بأن الأمر أمره والمشروع مشروعه، حتى ينطلق للميدان بجدية بالغة، ومسئولية كاملة ..