رؤى الرشاد المقدمة في الحوار الوطني

بناء الدولة

رؤية الرشاد لـ: شكل الدولة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد؛

فإن اتخاذ قرار بشكل الدولة يعد أهم وأخطر قرار يتخذه حزب أو كيان سياسي أو فرد أو شعب لما يترتب عليه من تبعات وآثار في كل مناحي الحياة لا تقتصر على الحاضر وإنما تتجاوزه إلى المستقبل البعيد.
لذا فإن من يتخذ قراراً في ذلك فإنه سيتحمل مسؤولية عظمى أمام الله ثم أمام شعبه وأمته ثم أمام التاريخ والأجيال القادمة، فاختيار شكل الدولة قرار استراتيجي يحتم علينا اتخاذه بتفكير واعٍ بل بعقل استراتيجي يبذل لذلك أعظم المجهود الفكري والمعرفي ليكون قراراً صادراً من موقع المسؤولية لا قراراً تحركه العواطف المجردة أو يبنى على الآمال المتوهمة أو ينساق وراء رغبات النخب أو يكون صدى لمجرد أصوات عالية.
لذا فإننا في حزب الرشاد نؤكد على اعتبار الأسس والمعايير العلمية والموضوعية والواقعية في اختيار شكل الدولة ومن ذلك:
1-  أن يكون شكل الدولة يعكس سمات الهوية والتاريخ والجغرافيا والهموم والمطالب والتطلعات للشعب اليمني وينهض به من واقعه الأليم الذي لخصته ورقة وزارة التخطيط والتعاون الدولي المقدمة في اجتماع لندن في هذه الأرقام:

47.6%

من يقل دخله عن دولارين باليوم

32.1%

لا يحصلون على غذاء كاف

45.3%

معدل الأمية

42%

فقط تغطية الطاقة الكهربائية

32%

فقط تغطية خدمات الأمن والقضاء والسلطات المحلية

76%

لا يحصلون على مياه شرب من الشبكة العامة

52.9%

من الشباب عاطلون عن العمل

فأرجو أن تكون هذه الأرقام وتعديلها حاضرة لدى صاحب القرار في شكل الدولة التي من أهم وأوجب وظائفها تخليص هذا الشعب الأبي من معاناته وتوفير العيش الكريم والخدمات الراقية له والنهضة به نحو الرقي والتقدم.
2- دراسة واعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجغرافية والأمنية والتركيبة السكانية لليمن في اختيار شكل الدولة.
3- أن يكون شكل الدولة متلائماً ومتوافقاً مع القدرات البشرية والإمكانات المادية المتاحة والمطلوبة لإقامة الدولة لا المتوقعة من المنح المتوهمة.
4- تقدير حجم المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة في القرار ومراعاة التدرج في بناء الدولة عبر مراحل من تكوينها والتخطيط لها إلى تنفيذها وترجمتها إلى الواقع إلى التقييم والرقابة المصاحبة للتنفيذ ومقارنة الأداء الفعلي بالأداء المرغوب فيه أو المخطط له وتحديد آلية وفترة الانتقال لكل مرحلة.
5- مراعاة التوافق والتوازن بين مفردات البناء التنظيمي للدولة والابتعاد عن الصيغ المعقدة واختيار الصيغ المبسطة والسلسة والواضحة في تحقيق وأداء وظائف الدولة.
6- اعتبار مؤثرات المحيط الخارجي بمتغيراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعلاقته التعاونية أو التنافسية أو العدوانية باليمن.
7–  أن يبنى قرار شكل الدولة على المعلومات العلمية الكافية والدقيقة للأبعاد المقومة للدولة والمؤثرة فيها ومدى مناسبة النماذج المقترحة للواقع اليمني، وتحليل الأخطاء والانحرافات في الدولة القائمة وتحديدها هل هي في نوع الدولة أم في التنفيذ والمنفذين ولأن المعلومة هي الركيزة الأساسية لدعم واتخاذ القرار فعلينا أن نحدد في فريق بناء الدولة الخبرات والمعلومات المطلوبة لذلك لا أن نكون وعاء لخبرات ومعلومات لمجرد أنها متاحة ومتوفرة.
لذا فإن حزب الرشاد يرى أن شكل الدولة من حيث المبدأ هو (الدولة اللامركزية) التي سنحدد تفاصيلها لاحقاً من خلال تكامل ودقة المعلومات ونتائج البحوث العلمية وقواعد البيانات الحديثة المتوفرة لدى الحزب مع ما سيقدمه خبراء مؤتمر الحوار الوطني.

سائلين المولى عز وجل أن يوفقنا لاختيار القرار المناسب لشعبنا المنقذ له من أزماته والمحقق له آماله وتطلعاته.

رؤية الرشاد لـ: النظام الانتخابي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد.
فإن النظام الانتخابي في أي بلد هو ركيزة الحياة السياسية واستقرارها ومقياس نجاحها وتطورها لذا فإن اختياره ينبغي أن يكون مدروسا وقائما على معايير موضوعية وواقعية منها:
1.    أن يسهم في تحفيز المشاركة والأحزاب السياسية الفاعلة ويقلص من بدانة وتضخم الأحزاب والمشاركات السياسية الصورية.
2.    أن يكون مترجما دقيقا للثقل السياسي الحقيقي للأحزاب والكيانات والأشخاص داخل المجتمع.
3.    أن يعمل على أن تكون مخرجات المشاركة السياسية ذات بعد وطني بعيدا عن الأبعاد المناطقية والطائفية.
4.    أن يفسح المجال للمستقلين لخوض غمار المعركة الانتخابية والانخراط في العملية السياسية.
5.    أن يجعل العملية الانتخابية في متناول جميع المواطنين ويسهل ويبسط مشاركتهم فيها.
6.    أن يراعي قلة الكلفة المالية وسلاسة الإدارة البشرية وسرعة حسم النتائج بما يناسب واقع وإمكانات وقدرات اليمن.
وباعتبار هذه المعايير وغيرها فإن حزب الرشاد اليمني يرى أن النظام الانتخابي المناسب للدولة اليمنية القادمة هو (نظام القائمة النسبية) لكونه من أكثر الأنظمة شيوعا في العالم ومن أكثرها تحقيقا للتوازن والتناسب بين حصة الكيان السياسي من المقاعد المنتخبة وبين ثقله الانتخابي.
وأقدرها على تعزيز فرصة المشاركة للأحزاب الصغيرة والفئات المهمشة والضعيفة فضلا عن الكبيرة والقوية في صنع القرار السياسي.
كما أنه يفرز مجالس نيابية تمثيلية للمجتمع إلى حد كبير وحافلة بتنوع أهل التخصص والمهارة.
لكن ينبغي مراعاة الضوابط التالية في هذا النظام:
1.  أن تتاح القائمة لمجموعات المستقلين كما تتاح للأحزاب وتكتلاتها إلا أنها في قائمة المستقلين تكون معمدة بتوقيعات أعضائها ومعززة بتأييد وتوقيع ألف شخص لكل عضو في القائمة وتعميد ذلك كله من جهة قضائية.
2.  أن لا يعتبر للقائمة حصتها من الأصوات إلا إذا اجتازت نسبة حسم محددة بـ ( 1% ) من اجمالي صحيح أصوات الناخبين ومجزأة على أكثر من نصف محافظات الجمهورية بما لا يقل عن ( 0.1% ) في كل محافظة.
أن تكون الدولة كلها دائرة واحدة يتاح لكل مواطن التسجيل والاقتراع في أي مركز انتخابي مع مراعاة تمييز الأصوات الانتخابية لكل محافظة ومحلياتها لتحديد نسبة الحسم في كل محافظة عند الفرز ولتكون آلية شاملة للانتخابات المحلية.

رؤية الرشاد لـ: النظام السياسي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد؛
فبعد تجارب النظام السياسي الذي عاشه اليمن المعاصر سواءً في دولته الشطرية أو دولته الموحدة نجد أن حركة عجلة التنمية والنهضة سارت ببطئ  شديد إن لم نقل توقفت عن الحركة إلا بالاتجاه السلبي وذلك لانتهاج الدولة نظاماً سياسياً جمع فيه رئيس الدولة معظم السلطات وتعذرت مساءلته وصعب عزله لتمركز القوة والسلطة فيه وفي محيطه وحاشيته ولانشغاله بتقوية نفوذه وحمايته وتوسعته مما آل باليمن إلى أن تصنف دولياً ضمن الدول الأفشل في العالم لذا علينا أن ننأى باليمن عن أي نظام رئاسي أو شبه رئاسي لما آل ويؤل في الدول النامية إلى نظام فردي استبدادي و نجاح هذا النظام كان في دول وبلدان محصورة معدودة ترسخ فيها التداول السلمي للسلطة وتعمق فيها الوعي السياسي والانتماء القومي والوطني .
وعليه فإننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى تغيير النظام السياسي وذلك باختيار النظام البرلماني ( النيابي) الذي هو من أكثر النظم انتشاراً في العالم.
وهو النظام الذي يتحقق فيه التوازن بين السلطة التشريعية والتنفيذية والفصل المرن بينهما والتعاون والرقابة المتبادلة بين السلطات الثلاث ويحقق التالي:
1. التجسيد الفاعل لإرادة الشعب في  حكم نفسه وحمايته من الاستبداد .
2. حصر سبيل الوصول إلى السلطة بالانتخابات بعيداً عن أي وسيلة أخرى .
3. يحقق إلى حد كبير استقرار الحكومة السياسي مما يسهل لها النجاح في القيام في مهامها وانجاز برامجها.
4. يحقق إلى حد كبير التلاقي والتشارك بين القوى والأحزاب السياسية الفاعلة.
5. يحدد الجهة المسؤلة أمام الشعب ويسهل معرفة جهة التقصير والتفريط واستحالة التهرب من المساءلة وتحمل المسؤولية.
ويرتكز هذا النظام على:

البرلمان المنتخب من الشعب والذي تكون له السلطات الفعلية ويجدد بصفة دورية كل خمس سنوات ولا يحُل إلى بقرار من الرئيس وفي حالتين فقط:
الأولى:
إذا عجز في بدايته النيابية عن تعيين الحكومة لمدة تجاوزت شهرين من أدائه اليمين الدستورية.
الثانية:
إذا عجز أثناء فترته النيابية وعند سحبه الثقة عن الحكومة عن تعيين بديلاً عنها لمدة تجاوزت شهراً من تاريخ سحب الثقة وفق اجراءات وشروط يحددها الدستور .

يختار البرلمان رئيس الوزراء وهو يختار الوزراء وتكون الحكومة مسؤلة ومحاسبة أمام البرلمان وله حجب الثقة عنها كلياً او جزئياً عن وزير أو بعض الوزراء ,  وفق اجراءات وشروطً ونسب للتصويت في الحجب والمساءلة يحددها الدستور.

يكون الرئيس منتخباً انتخاباً مباشراً من قبل الشعب ورئاسته شرفية ومحايدة إلا في حالات ضيقة كفترة حل البرلمان أو انعدامه وبصلاحيات محدده يحددها الدستور كما له دعوة البرلمان للانعقاد غير الاعتيادي بطلب من الحكومة وليس له ولا للحكومة حق فض دورات الانعقاد.
وأبرز سلبيات هذا النظام هي  سيطرة الحزب الواحد واستبداده في حال انفراده , وضعف الحكومة وتضعضعها في حال ائتلافها لتعددها وتنوعها السياسي مما يعيق عملها وعدم استقرارها.
ولتجنب هذه السلبيات وغيرها لابد من الضمانات الدستورية التالية:
1) ضمانة استقرار السلطة التشريعية فلا يحُل البرلمان إلى في حدود ضيقة وبقيود وشروط يحددها الدستور.
2) ضمانة استقرار السلطة التنفيذية فلا تحجب عنها الثقة كلياً إلى في حدود وقيود وشروط يحددها الدستور.
3) ضمانة استقلال السلطة القضائية وإنشاء محكمة دستورية مستقلة لتحقيق سيادة الدستور والقانون وتجسيد الرقابة القضائية.
4) ضمانة المشاركة السياسية لمعظم القوى والأحزاب السياسية الفاعلة , وذلك باختيار نظام إنتخابي  يحقق هذا التوازن السياسي ويمنع تسلط واستبداد حزب واحد وانفراده بالسلطة .

السلطة التشريعية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإن حزب الرشاد يرى أن بيان النظام التشريعي بتفاصيله واختصاصاته يتوقف على اختيار شكل الدولة ونظام الحكم فيها إلا أن الرشاد من حيث النظرة الأولية للنظام التشريعي في الدولة القادمة يرى أن يتكون من مجلسين هما:
الأول : مجلس النواب
ويكون بالانتخاب المباشر من قبل الشعب بالقائمة النسبية المغلقة في الدائرة الواحدة الشاملة لليمن وعدد أعضائه أربعمائة عضواً.
الثاني : مجلس الشورى
ويكون بالانتخاب المباشر من قبل الشعب وعدد أعضاءه 300 عضوا، 200 عضو منهم أو ما يقارب هذا العدد يتم انتخابهم  بالقائمة النسبية المغلقة لكل محافظة  بنسب متساوية بينها.
100 عضو حصة مغلقة لأهل الاختصاص من فقهاء الشريعة وأساتذة القانون والسياسة و الاقتصاد وخبراء الأمن والجيش وغيرهم من أهل التخصص بالانتخاب المباشر من قبل الشعب بالقائمة النسبية المغلقة في الدائرة الواحدة الشاملة لليمن .

القضية الجنوبية

جذور القضية الجنوبية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فلقد خلق الله الإنسان لعبادته, وأرسل سبحانه الرسل وأنزل الكتب ليقوم الناس بالعدل,  {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}, وأعظم العدل توحيد الله سبحانه وتعالى والانقياد لحكمه, والاستجابة لأمره في جميع شؤون الحياة.
ولله في خلقه سنن وقوانين ثابتة لا تتغير {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} ومن هذه السنن:-

  • سنة زوال النعم وانقراض الأمم بغياب العدل وفشو الظلم {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا}.
  • سنة مسؤولية الناس عن رقيهم وانحطاطهم {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
    وهذه السنن وغيرها تسري على عموم الخلق لا تخص شعبا دون غيره وما يجري في بلادنا ليس بمعزل عن هذه السنن.
    لذا فإن سبر أغوار تاريخنا السياسي ومعرفة جوانب الاختلالات المتعاقبة عبر عقود من الزمن أمر في غاية الأهمية لأن القطيعة التاريخية في التعامل مع الحاضر والمستقبل تسوق إلى التخبط الأعمى في مسارات الحياة.
    وعندما نسلط الضوء -بصورة مختصرة- على جذور القضية الجنوبية وكيفية الإفادة من ذلك في بناء يمن جديد فلا يعني ذلك بأية حال أن ننكأ الجراحات أو ننبش العداوات والإحن لما في ذلك من السلوك المذموم شرعا والمتنافي مع قيمنا الإسلامية النبيلة التي تهدف إلى ردم فجوة الخصومات وتعميق وترسيخ مفهوم الإخوة الإيمانية بعيدا عن النعرات والعصبيات الجاهلية التي جاء الإسلام للقضاء عليها.
    وإنما المقصد الأسمى من ذلك كله هو الوقوف على جوانب الخير فتتبع وجوانب الشر فتجتنب مع التأكيد على عدم بخس الناس أشياءهم وحقوقهم المادية والمعنوية إذ الحقوق في الشريعة الإسلامية وفي القوانين البشرية لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء.
    وبالنظر والتشخيص لأبعاد وجذور القضية الجنوبية فإن “حزب الرشاد اليمني” يرى أن هذه الجذور تتمثل في ثلاث مراحل كل مرحلة مرتبطة بأختها وآخذة بتلابيبها مقدمة وممهدة لما بعدها يصعب أن تفهم كل مرحلة دون سابقتها ولاحقتها.

المرحلة الأولى: تبدأ عام 1967

توطئة:-
في عام 1839م اقتطع الاحتلال البريطاني الجزء الجنوبي من بلاد اليمن وأقام فيها المحميات ليتحرز بها من تمدد العثمانيين في شمال اليمن.
وعلى إثر انسحاب العثمانيين من اليمن ناشد قائد الجيش العثماني إمام اليمن باستلام ولاية لحج التي كانت بأيدي العثمانيين غير أن الإمام يحيى حميد الدين قد قابل هذا العرض بالتقاعس والعجز عن القيام بمسؤولياته تحاشيا من الدخول في صراع مع الانجليز وبسبب دخوله صراعات في مناطق أخرى ثم توالت الأحداث حتى نتج عن ذلك تداعيات أدت في محصلتها النهائية إلى تهيئة الظروف لإقامة تشطير اليمن إلى دولتين في شماله وجنوبه
وملخص هذه المرحلة التي بدأت عشية استقلال جنوب اليمن 30/نوفمبر/1967م, والتي بدأ التحضير لها منذ منتصف الخمسينات على أيدي المناضلين من أبناء اليمن الذين قرروا مقاومة الاستعمار البريطاني سواء كانوا أفرادا أو منظمات تمخضت فيما بعد إلى كتلتين رئيسيتين وهما “جبهة التحرير” “والجبهة القومية” رافقهما علاقات تقترب أحيانا وتفترق وتتقاتل أحيانا أخرى ما أدى في نهاية المطاف إلى إقصاء جبهة التحرير وتشريدهم من أوطانهم.
سمات هذه المرحلة:-
1 – انفراد الجبهة القومية واستلام سلطة الجنوب.
وبذلك تكون الجبهة القومية قد انفردت بقيادة جنوب اليمن و ساعد على ذلك تسليم الحكومة البريطانية مقاليد الحكم للجبهة القومية مع معسكرات الجيش.
وبالتأكيد فإن اختيار البريطانيين للجبهة دون التحرير لم يكن عفويا أو بعيدا عن الأهداف السياسية التي تتمثل في مقاصد منها:-
1 – إقصاء جبهة التحرير لعمقها الشعبي وتوجهها العروبي ذي الصلة بحركة القوميين العرب المدعومة من الرئيس جمال عبد الناصر.
2 – إقامة نظام تشطيري وقطع الطريق أمام أي توجهات وحدوية نظراً لأن جبهة التحرير كانت على علاقة متينة مع القادة السياسيين في شمال اليمن, بينما كانت الجبهة القومية على خلاف ذلك.
3 – تمكين الفريق الأضعف (الجبهة القومية) واستمرار التواصل ببعض أجنحتها التي ظلت على صلة موالية للنظام البريطاني.
4 – تنازل الجبهة القومية عن استحقاقات فترة الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن.
5 – نكاية البريطانيين بأبناء الجنوب لمساندتهم لثورة الاستقلال, وهي السياسة البريطانية مع مناطق متعددة في العالم الإسلامي {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}.
6 – وجود تنسيق بريطاني سوفيتي في الوقت الذي لم تكن فيه العلاقة البريطانية الأمريكية على وئام, ما يعني أن تسليم السلطة لجبهة التحرير قد يتجه بالمسار السياسي نحو التوجه الأمريكي أسوة بدول المنطقة التي كان لجبهة التحرير علاقاتها الدولية المتميزة بمحيطها الإقليمي.
2 – سياسة الاستبداد والإقصاء.
قامت الجبهة القومية على سياسة الاستبداد والإقصاء لكل من خالفها من أتباعها فضلا عن من عارضها من خارجها ومن ذلك:-
‌أ. إقصاؤها لجبهة التحرير من المشهد السياسي.
‌ب. إبعاد السلاطين( ) والشخصيات الاجتماعية والتخلص منهم.
‌ج. إقصاؤها للرئيس قحطان الشعبي وإيداعه السجن ومن معه بعد سنة وبضعة أشهر.
‌د. تصفية الرئيس سالم ربيع علي (سالمين) عام 78م ومن معه بناء على رؤى واختلافات فيما بينهم.
‌ه. الاستمرار في الصراعات ومواصلة سلسلة الإقصائات والتصفيات إلى أن جاءت القاصمة في أحداث يناير 86م.
3 – سياسة الارتهان للخارج.
ونتيجة لهذا التوجه الماركسي للحزب الحاكم فقد وضع جنوب اليمن بإرادته السياسية وموارده الاقتصادية وقوته البشرية ومياهه الإقليمية تحت تصرف ونفوذ الاتحاد السوفيتي دون مقابل يذكر أو انتفاع لأبناء جنوب اليمن سوى المديونية بمليارات الدولارات للسوفيت التي تحملتها دولة الوحدة فيما بعد. وبهذه السياسة تحولت المنطقة من احتلال بريطاني إلى نفوذ سوفيتي أسوأ بكثير من سلفه.
4 – سياسة تأميم الممتلكات:
قام النظام الاقتصادي في جنوب اليمن منذ عام 69م على النظرية الاشتراكية في التملك والثروة والإنتاج حتى غدا منفردا في محيطه الجغرافي منعزلا عن دول الجوار في سياستها الاقتصادية الحرة وقد نتج عن ذلك  نظرية التأميم الزراعي والعقاري خلال عامي 72-73م وتأميم الممتلكات التجارية والصناعية لملكية الحزب أعقب ذلك نزوح وهروب أصحاب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد بعد أن كانت عدن أهم وأبرز المراكز التجارية في جزيرة العرب.
وهكذا استمرت الأحوال في التدهور الاقتصادي على مستوى الفرد يوما بعد يوم مع انعدام أي جهود لعمليات البحث والتنقيب عن الثروة, واكتفت ببعض المنتجات الزراعية وشيء يسير من الثروة السمكية التي أدت إلى أن يعيش المواطن على مستوى زهيد في شتى مناحي الحياة مع انخفاض حاد للدخل الفردي وانسداد آفاق الأعمال المهنية الحرة التي كان لها بالغ  التأثير على الناس بعد قيام الوحدة.
لهذه الأسباب وغيرها كان لا بد من التعجيل والسير قدما إلى تحقيق الوحدة اليمنية.
5 – سياسة فصل الدين عن الدولة والحياة.
يعتبر التدين في جنوب اليمن ضارباً في القدم منذ ظهور نور الإسلام في اليمن, وقد استمرت العقيدة الإسلامية يتوارثها الناس جيلا بعد جيل حتى غدت جنوب اليمن منطلقا للدعوة الإسلامية في الهند وإفريقيا وجنوب شرق آسيا عبر المهاجرين من أهل حضرموت الذين نشروا تعاليم الإسلام في تلك البلاد التي يتواجد فيها ما يزيد على خمسمائة مليون مسلم.
 لكن نظام الحكم الشمولي في جنوب اليمن -مع كل أسف- قد تجاهل هذا الموروث الحضاري حينما أعلن التوجه الماركسي عام 69م واتجه إلى فرضه ونشره بشتى الأساليب التي كانت محل استياء وسخط ومقاومة أبناء الشعب في جنوب اليمن .
وكان من آثار هذا التوجه أن تم فصل الدين عن الدولة والحياة السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
وتبع ذلك ما قامت به السلطة من قتل وسحل وتشريد المئات من العلماء والخطباء تحت شعار “الموت للكهنوت, ومحاربة الرجعية” ومورست أخطاء شنيعة بحق أبناء جنوب اليمن حيث غيبت أحكام الشريعة الإسلامية عن الدولة وسياسة الحكم, وشرعت أحكام للأسرة تخالف الإسلام, وعادات وتقاليد وقيم المجتمع ومنعت الدروس والندوات الإسلامية من المساجد وكممت أفواه العلماء والمصلحين, وحوربت كتب الثقافة الإسلامية ومنع استيرادها واعتبرت مادة الدين في المناهج الدراسة من المواد الهامشية والثانوية في الوقت الذي قاموا فيه بتدريس النظريات الشيوعية والماركسية, والاشتراكية العلمية والترويج لها, وحورب الحجاب ومنع في المدارس الثانوية والجامعية, والوظائف العامة.
كل ذلك وغيره مما لم يذكر قد أدى إلى قطيعة حقيقية بين الشعب والسلطة التي لا يربطهم بها سوى آلية القمع والإرهاب مما جعل الشعب ينتظر يوم الخلاص من هذه الأوضاع المأساوية.
6 – انتهاك الحقوق والحريات:
وأما البعد الحقوقي للقضية الجنوبية في هذه المرحلة فقد أصيب في مقتل بسبب السياسة الخاطئة التي انتهجها الحكم الشمولي في تلك المرحلة.
فالحقوق السياسية والتعددية ذهبت أدراج الرياح وكرس في هذه الحقبة لا صوت يعلو فوق صوت الحزب نظريا وعمليا ويكفي لمعرفة هذه الحقيقة أن نقرأ النص الدستوري في دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبة المادة رقم (3) :” الحزب الاشتراكي اليمني المتسلح بنظرية الاشتراكية العلمية هو القائد والموجه للمجتمع والدولة وهو الذي يحدد الأفق العام لتطوير المجتمع وخط السياسة الداخلية والخارجية للدولة ويقود الحزب الاشتراكي اليمني نضال الشعب ومنظماته الجماهيرية نحو الانتصار التام لإستراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية وصولا إلى بناء الاشتراكية وتعمل جميع منظمات الحزب في إطار الدستور
وجرم على إثر ذلك أي نشاط سياسي خارج منظومة الحزب وطورد السياسيون وحوكموا محاكمة غير عادلة وعذب كثير منهم وقتل آخرون دون أن يعلم ذووهم عن مصيرهم إلى الآن.
وكذا الحقوق المدنية والاجتماعية وغيرها أصابها ما أصابها من الحظر خارج إطار الحزب وصودرت الحريات المخالفة للحزب, ومورس الاضطهاد الفكري والثقافي والأدبي على المخالفين لتوجه الحزب.
وهكذا الحقوق الشخصية المتعلقة بالتملك والاستثمار والتنقل والأسفار انتهكت وصودرت مع ما صاحبها من ترويع الآمنين والمداهمات الليلية والقتل خارج إطار القانون والقضاء.
كل هذه الممارسات وغيرها قد أسهمت في الترقب لساعة التولي من هذه المرحلة.
7 – العداء والصراع مع المحيط الإقليمي:
اتسمت السياسة العامة والعلاقات الخارجية في تلك الحقبة بأنواع من الصراعات مع المحيط الإقليمي سواء في دول الخليج كسلطنة عمان والسعودية تحت شعارات محاربة الامبريالية وتصدير الثورة الاشتراكية العلمية أو القرن الإفريقي أو الشطر الشمالي لليمن فيما يعرف  بالجمهورية العربية اليمنية التي خاض الحكم الشمولي معها حروبا متعددة وما صاحب تلك المرحلة من تصدير للفكر اليساري عبر آلة القتل إلى المحافظات الشمالية فيما عرف بمرحلة التخريب ونتج عن ذلك أحداث مؤلمة من قتل وإعاقة وترويع الآلاف في المناطق الوسطى وغيرها, عبر وسائل غير إنسانية كزراعة الألغام وتسميم الآبار وغير ذلك من الوسائل البشعة.

المرحلة الثانية: وتبدأ بقيام الوحدة عام 1990م حتى عام 1994م

ونتيجة لما سبق ولأسباب عديدة ليس هذا محل بسطها كان من أهمها الأحداث الدامية التي حصلت بين الرفاق في 13 يناير 1986م والتي ذهب ضحيتها الآلاف وما تلاها من انقسام حاد بين ما يسمى بالزمرة –وهم أنصار علي ناصر محمد- والطغمة التي بقيت على الحكم في الجنوب مع بقاء موروثات الصراعات السياسية داخل منظومة الحكم كذلك انهيار الاتحاد السوفيتي وقيام “البروستريكا” في المنظومة الاشتراكية وانقطاع الصلات الاقتصادية والسياسة واللوجستية معها فقد سارع الرفاق إلى الخروج من هذه الأزمة بالعمل الجاد والمسارعة نحو التوجه إلى قيام الوحدة اليمنية عام 1990م والتي كانت بمثابة طوق النجاة للمنظومة الحاكمة في جنوب اليمن.
سمات هذه المرحلة:

1 – الاستبداد والانفراد بقرار الوحدة:

بما أنه لم يعد هناك مكونات سياسية في جنوب اليمن سوى الحزب الاشتراكي فقد اتجه الحزب إلى قرار الوحدة منفردا عن أي منظومة سياسية جنوبية وكان يفترض على الأقل أن يكون للقوى السياسية والعسكرية التي تواجدت في شمال اليمن -على إثر أحداث 86م- وهم أنصار الرئيس على ناصر محمد حظ  في التشاور حول آلية اتخاذ قرار الوحدة واستمرارية بقائها دون أن تتعرض للاختلال , لكن الحزب وكعادته في سياسة الإقصاء طالب بطردهم وهو بالفعل ما استجابت له صنعاء, كما أصروا على عدم إدخالهم في القسمة والشراكة في دولة الوحدة, ولا ريب أن هذه النظرة الاستبدادية قد ساهمت إلى حد كبير في غياب النظرة الموضوعية لمشروع الوحدة الذي يضمن الشراكة السياسية لأبناء الجنوب في الحكم.
وأما أبناء الشعب في الشمال والجنوب فقد باركوا هذه الوحدة وأيدوها وأصبحت بالنسبة لهم تمثل التجسيد الحقيقي لأحلامهم التي طالما كانوا يتطلعون إلى تحقيقها في حياتهم, ولذلك فقد تم استفتاء الشعب على دستور دولة الوحدة وأقيمت انتخابات برلمانية ورئاسية كانت عبارة عن الموافقة الإجماعية والقبول التام بتحقيق الوحدة اليمنية.
2 – القراءة السياسية الخاطئة لنظام صنعاء:
وقع الحزب الاشتراكي في قراءة خاطئة لطبيعة الوضع السياسي والاجتماعي في شمال اليمن؛ حيث ظن الرفاق أن النظام الشمالي قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من السقوط والتردي وقد ساعده على هذه الظنون بعض من زين له أن أبناء تعز والمناطق الوسطى والبيضاء وغيرها ينتظرون قدومه بفارغ الصبر وممن ساهم في ذلك بعض الجهات الاجتماعية والقبلية التي كانت تدين له بالولاء وتستمد معوناتها من الحزب الاشتراكي في فترة التشطير.
ومع أن منطق الأمور والمؤشرات لا يساعد على هذا الاتجاه بسبب تصدع المنظومة الشرقية الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي إلا أن هذه المؤشرات كانت هي الأضعف لدى صناع القرار في الحزب, وقد ترتب على هذه القراءة الخاطئة الغفلة السياسية عن إيجاد آلية لتحقيق الشراكة السياسية لأبناء المحافظات الجنوبية؛ لذا فقد كانت اتفاقية الوحدة عبارة عن صفحة ونصف فقط بينما كانت الاتفاقية في الوحدة الألمانية مكونة من 1200 صفحة.
3 – صراع الهوية في دستور دولة الوحدة.
انشغل الحزب الاشتراكي بصراع الهوية التشريعية في دستور دولة الوحدة ودخل أو استدرج إلى خصومات في بداية الوحدة حول الهوية وحول الشريعة الإسلامية وكونها مصدرا لجميع التشريعات مع غفلتة عن آلية الحكم الصحيحة, وبنائها في دستور دولة الوحدة.
إضافة إلى ذلك وهو أمر لا بد من ذكره وهو انشغال الرفاق بمصالحهم الشخصية دون استجابة لبعض الأصوات التي كانت تنادي بتصحيح مسار الوحدة.
وفي هذه المرحلة تمت الانتخابات النيابية عام 93م والتي أظهرت حجم الكارثة بالنسبة للحزب الاشتراكي اليمني حيث لم يتحصل إلا على 20% من مجلس النواب أي 54 مقعدا من أصل 301 مقعد لضعف امتداده في الشمال وتقلص شعبيته في الجنوب ومن حينها ذهبت السكرة وجاءت الفكرة وأدرك الحزب الاشتراكي أنه إذا ما استمر نظام الحكم بموجب الدستور الحالي فإن مصيره إلى الانقراض التدريجي والموت البطيء ونتيجة لذلك بدأ الحنين إلى الماضي وإلى عودة الأمور إلى ما قبل 90م وإلى التفكير بفك الارتباط وتدخلت قوى إقليمية في تنمية هذا الاتجاه.
وقد زاد من قناعة الحزب الاشتراكي بذلك تأخره في تلك الانتخابات إلى المرتبة الثالثة وصعود ثاني قوة في السياسة اليمنية وهو التجمع اليمني للإصلاح الحليف التاريخي حينها للمؤتمر الشعبي العام والخصم التاريخي للحزب الاشتراكي.
4 – سلسلة الاغتيالات لبعض قادة الحزب الاشتراكي:
وفي هذه المرحلة زادت الأمور تعقيدا بسبب سلسلة الاغتيالات المتعددة لبعض قيادات الحزب الاشتراكي اليمني فسرت من قبل البعض بأنها خصومات تاريخية وثارات سياسية وتصفية حسابات وفسرت من جهات أخرى بأنها شروع ممنهج للتخلص من شريك الوحدة وفسرتها جهات أخرى بأنها أعمال لجهات فكرية إسلامية جهادية.
وأيا ما كان في واقع الأمر فقد قوبلت هذه الأعمال بفتور من الجهات المعنية بحيث لم يكشف عن المرتكبين لهذه الاغتيالات ولم يتم تقديم الجناة إلى القضاء وكشف حقيقتهم للرأي العام وهو ما زاد من تفاقم الأمور بين شريكي الحكم أولا ثم شركاء الحكم فيما بعد المؤتمر والإصلاح من جهة والحزب الاشتراكي من جهة أخرى.
5 – وثيقة العهد والاتفاق:
وبعد سلسلة من إجراءات التفاوض بين فرقاء العمل السياسي عبر وساطات قبلية وسياسية محلية باءت بالفشل وزادت الأمور تعقيدا وأصبحت مؤشرات الحرب تلوح للعيان وكثرت الاتهامات والملاسنات والمناكفات الإعلامية حصل التدخل الخارجي وتوجه الفرقاء إلى العاصمة الأردنية “عمان” وتم الاتفاق على وثيقة “العهد والاتفاق” والتي لم يجف حبر ورقها بعد حتى غدر بها ونكث بها وأضحى كل طرف يرمي خصمه بالانقلاب على هذه الوثيقة  والتسبب في قيام حرب عام 1994م.

المرحلة الثالثة: منذ حرب 94م فما بعدها

توطئة:
من المهم أن نوضح أن هذه الحرب لم تكن بين شمال اليمن وجنوبه وإنما هي حرب بين اتجاهات سياسية وشركاء في السلطة.
ذلك أن تصوير الحرب على أنها احتلال الشمال للجنوب أمر في غير محله بدليل أن كثيرا من القادة والجيش الذين شاركوا في الحرب كانوا من أبناء الجنوب.
ومن جهة أخرى لم يكن منطلق هذه الحرب يعود إلى فتاوى دينية فإن ذلك لم يحصل من عالم معتبر وإن كان قد وجد من يبرر الحرب إما باعتبارها حربا بين الشرعية والبغاة أو باعتبار تقدير المصالح والمفاسد لكن هذا شيء, وما يشاع بإباحة دماء الجنوبيين وتكفيرهم شيء آخر ليس له وجود في الواقع وإنما هي دعاوى ممنهجة لإسقاط قيمة الفتوى الشرعية ومكانة العلماء في المجتمع ليس إلا, وهو نوع من الترويج والمكايدات السياسية.
ويؤكد ما ذكرناه في هذا المقام أن أحدا في جنوب اليمن بعد انتصار ما عرف بقوات الشرعية لم يتحدث عن الاحتلال ولم توجد أي مقاومة لهذا الاحتلال لا سلمية ولا غير سلمية بل ظلت الأوضاع تسير بوضع شبه طبيعي إلى أن جاءت انتخابات 2007م.
-:سمات هذه المرحلة
1 – انفراد المؤتمر الشعبي العام والإصلاح بالقرار السياسي:
بعد قيام حرب 1994م بفترة دخلت القضية الجنوبية منعطفا تاريخيا جديدا ترتب عليه تداعيات مختلفة وأفرزت ظروفا متعددة للعملية السياسية فأحد الشركاء أزيل من المعادلة السياسية وبقي الشريكان فقط المؤتمر والإصلاح في وئام لما يقرب من عقد من الزمان بدأت بعدها المكايدات والمماحكات السياسية بينهما وبدأت قيادة المؤتمر السياسية تتجه نحو الانفراد بالسلطة والتخلص من الشريك الثاني الذي لم يعد له حاجة وهو التجمع اليمني للإصلاح باعتباره كرتا انتهت صلاحيته كما قيل بعد ذلك! ولم يعد حينها النظام محتاجا إلى هذه الشراكة.
 2 – اتساع دائرة المعارضة السياسية:
وقد كان من الطبيعي بعد فقدان الشريكين (الاشتراكي والإصلاح) لمواقعهم في النفوذ أن تجمعهم مصيبة الإقصاء وتسوقهم متحالفين إلى المسرح السياسي بتشكيل, معارضة قوية للسلطة تمثلت في أحزاب اللقاء المشترك التي دأبت على تعبئة الرأي العام بمخاطر الاستبداد والانفراد بالقرار السياسي وعملية التوريث والاستحواذ بمقدرات وثروات الشعب اليمني توجت بأكبر معارضة سياسية للنظام خاضها اللقاء المشترك في الانتخابات الرئاسية عام 2007م في الوقت الذي بدأت دائرة الاحتجاجات السلمية في الحراك الجنوبي وغيره تتسع يوما بعد يوم.
وقد استغلت أطراف سياسية -من باب المكايدة للحزب الحاكم- مطالب الحراك الحقوقية في بداية الأمر وروجت لها وقامت بتشجيعها حتى تبلورت في حراك سياسي يطالب بالانفصال دون أن تدرك هذه الجهات النظر في مآلات الأمور مع ما قامت به وسائل إعلامية غير مسؤولة في إذكاء روح العنصرية والعصبية الجاهلية التي تنافي رابطة الأخوة الإيمانية.
3 – تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية:
وفي هذه المرحلة كثرة الاختلالات الأمنية, وفقدت الدولة سيطرتها على بعض مناطق اليمن كما في حروب صعدة مع دخول أطراف إقليمية تدفع باتجاه الفوضى وتغذية الصراعات, وزادت أعمال النهب وتفاقم الفساد المالي والإداري مع غياب المؤسسة القضائية وتجذرت شجرة الفساد في ربوع اليمن.
وتم في هذه الظروف إطلاق أيدي العابثين والتستر على أعمالهم المشينة المتعلقة بنهب الأراضي والعبث بالثروات العامة وتغلغل مافيا الفساد في النفط والغاز وغيرها, مع ترد مروع للأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة, وغياب أو ضعف فرص العمل, وهو الأمر الذي زعزع الثقة بقدرة النظام على تصحيح أوضاعه ومعالجة مشكلاته.
4 – تجاهل الحقوق والاستحواذ بالوظيفة العامة:
تجاهلت السلطة كثيرا من المطالب الحقوقية لأبناء المحافظات الجنوبية والمتمثلة في معالجة آثار الحرب, وإعادة الموظفين المدنيين والعسكريين المسرحين قسرا إلى أعمالهم ووظائفهم وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم.
ومع مرور الأيام شيئا فشيئا  هيمن الحزب الحاكم وحلفاؤه وبخاصة من أبناء المحافظات الشمالية على الوظائف العامة العليا, وتم تهميش القيادات الجنوبية الفاعلة مع تمكين القيادات الموالية للسلطة التي لا تحظى برصيد شعبي في المحافظات الجنوبية.
5 – عجز الدولة وفشلها في إقامة دولة المؤسسات:
فشلت الدولة في معالجة آثار حرب 94م, وعجزت عن إقامة دولة المؤسسات, وكانت الأقدار والسنن قد أحاطت بها من كل مكان وقامت ثورات الربيع العربي التي كانت بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير وتسببت في رحيل رأس النظام, والدخول في مرحلة التسوية السياسية المتمثلة في المبادرة الخليجية وما تفرع عنها وهو ما نشهده اليوم من أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل.

نخلص من هذا كله إلى أن القضية الجنوبية ترجع إلى جذور أهمها:-
1 – اقتطاع الاحتلال البريطاني للجزء الجنوبي من اليمن وتقاعس نظام الإمامة عن مقاومته بل اعترف بحكومة المستعمر وحدود مستعمرته.
2 – سياسية الاستعمار البريطاني قبل رحليه في زرع بذور الفتنة بين أبناء الجنوب فيما عرف بصراع الجبهة القومية مع جبهة التحرير, وتسليمه مقاليد الحكم للجبهة القومية.
3 – انسياق الجبهة القومية منذ لحظات الاستقلال لإقصاء الأطراف السياسية والاجتماعية عن المشهد السياسي في الجنوب.
4 – قيام الحزب الاشتراكي على نظرية سياسية واقتصادية وثقافية تتنافى مع ثوابت ومصالح المجتمع في المحافظات الجنوبية.
5 – الارتهان لنفوذ الاتحاد السوفيتي الذي استغل مقدرات وأراضي جنوب اليمن دون أن ينال أبناء الجنوب منه إلا الديون التي أثقلت كاهله.
6 – الصراع المستمر بين أجنحة السلطة في الجنوب والذي تبلور في حرب 86م وتداعياتها.
7 – الانفراد بقرار الوحدة من السلطة الحاكمة في الجنوب دون إشراك أي طرف سياسي آخر من أبناء الجنوب.
8 – دستور دولة الوحدة الذي لم تصغ فيه آلية الحكم بما يكفل شراكة فاعلة وحقيقية لأبناء الجنوب.
9 – تمرد علي سالم البيض ومن معه على نتائج انتخابات 93م واتجاهه للانفصال.
10 – انفجار حرب 94م وعدم إصلاح ما ترتب عليها من آثار.
11 – انفراد الحزب الحاكم في الشمال بالسلطة بعد حرب 94م, وإقصاؤه لشركاء الوحدة وغيرهم.
12 – الفساد المالي والإداري العام في جميع مؤسسات الدولة والمستشري في كل مناطق اليمن غير أن أبناء المحافظات الجنوبية كان شعورهم بالظلم والغبن أكثر من غيرهم لأسباب تاريخية وسياسية.
13 – استغلال بعض القيادات الجنوبية للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية العامة في اليمن بأنها ممنهجة ضد أبناء الجنوب لتحقيق مآرب سياسية على حساب مصالح أبناء المحافظات الجنوبية.
14 – الاختلاف في المستوى المعيشي والاقتصادي بين أبناء المحافظات الشمالية والجنوبية بسبب سياسات الشطرين الاقتصادية مما جعل أبناء الشمال يتجهون لاستثمار أموالهم ومهاراتهم في المحافظات الجنوبية, الأمر الذي أدى إلى شعور أبناء المحافظات الجنوبية باستفادة أبناء الشمال من الوحدة دونهم.
خاتمة:-
بعد هذا السرد لجذور القضية الجنوبية ومسبباتها نستطيع القول بأن محتوى القضية الجنوبية اليوم قد أصبح يحمل في طياته مضامين الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
فالحقوق السياسية تتمثل في شراكة أبناء المحافظات الجنوبية في السلطة بما يتلاءم مع حقوقهم المشروعة وتاريخهم النضالي.
وهي حقوق اقتصادية تتمثل في الاستفادة من موارد الجنوب الاقتصادية وإشراكهم بما يتناسب مع منطقتهم الزاخرة بالثروات الطبيعية المتعددة, وفقا لمعايير العدل ورفع الظلم والمعاناة عنهم.
وهي حقوقية تتمثل في إعادة الاعتبار لهم وتسوية أوضاع المسرحين من أعمالهم في جميع مجالات العمل الوظيفي في القطاعين المدني والعسكري.
وقد بات واضحا للعيان اليوم أن معاناة المواطن اليمني متشابهة من شماله إلى جنوبه ومن غربه إلى شرقه مع مراعاة خصوصية الجغرافيا والفوارق الموضوعية.
فدولة المؤسسات القائمة على العدل التي تحافظ على الثوابت الدينية والوطنية والتي تستمد أنظمتها من أحكام الشريعة الإسلامية وتعمل على تطبيق ذلك في عامة مناحي الحياة, مع الاستفادة من النظم الانسانية والتجارب البشرية التي لا تعارض كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, والتي تقوم على مبدأ الشفافية وإعطاء الحقوق والشراكة الحقيقة لأبناء المجتمع اليمني عموما هي المخرج الآمن والأمل المنشود مع تحقيق الحريات المعتبرة والحقوق المشروعة والتنمية الشاملة وترسيخ الأمن وبناء الجيش على أسس إيمانية ومهنية ووطنية من جميع مناطق اليمن بعيدا عن الولاءات المناطقية والقبلية وغيرها.
وهذا هو الذي نتطلع إليه اليوم ويتطلع إليه جميع أبناء اليمن في جنوبه وشماله.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

محتوى القضية الجنوبية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:-
فلقد جاء دين الإسلام بهداية الخلق إلى ما يصلح دينهم ودنياهم وتلخصت تعاليم الرسل جميعا في الحفاظ على الضروريات الخمس التي بانعدامها أو انعدام بعضها يحصل الخلل في مسيرة الحياة الإنسانية دنيا وآخرة وهي الدين , والنفس, ,والعقل , والمال , والنسل أو العرض.
لذلك كانت سياسة الخلق في مفهومها الشرعي قائمة على حراسة الدين وسياسة الدنيا به.
وعلى ذلك انقسمت السياسة إلى مسارين:-
الأول:- السياسة العادلة.
الثاني:- السياسة الظالمة.
فبالأول تتحقق العبودية لله والانقياد لحكمه ويتحرر الإنسان من عبودية ما سواه, وبه يقوم العدل والميزان وتنهض الشعوب وتعمر الأوطان ويستتب الأمن وتصان الحقوق والحريات المعتبرة, والثاني بضد ذلك.
وقد أشار القرآن الكريم إلى عواقب الظلم الوخيمة على الأفراد والمجتمعات كما في قوله تعالى : {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}
وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خطورة الإعراض عن العدل والتحاكم إلى غير كتاب الله بقوله: “وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم”.
فالتنافر والفرقة ثمرة من ثمار نقض الحكم بكتاب الله, وحينما انتقض هذا المسار في تاريخنا المعاصر جاءت الانتكاسات, وترتب عليه فساد عريض ومظالم وجور الحكام, وغابت السياسة الشوروية في مؤسسات الدولة وغيبت وظائفها ومهامها وضعف أو انعدم الالتزام بالعقود والمواثيق التي تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وحصل بعد ذلك التخلف الحضاري في جميع ميادين الحياة وأعيقت التنمية وضعف الأمن والاستقرار
من خلال ذلك نستطيع أن نتصور المحتوى الحقيقي للقضية الجنوبية والذي مرده إلى سياسة الظلم, والخلل في المراحل السياسية التي تعاقبت عليها النخب الحاكمة قبل الوحدة وبعدها.
ولعل ما أسلفناه سابقا في موضوع جذور القضية الجنوبية قد أشار إلى المداخل الرئيسية التي أوصلت القضية الجنوبية إلى وضعها الراهن بأبعادها المتعددة ومن ذلك:-

1 – سياسة الظلم والإقصاء:
تخلص جنوب اليمن من سياسة الظلم والإقصاء التي مورست عليه خلال أكثر من عقدين من الزمان منذ عام 67م وتنفس الصعداء من هذه الحقبة باحثا عن دولة العدل والمؤسسات متطلعا إلى آفاق العمل والإنتاج والتنمية الشاملة وتحقيق الرخاء الاقتصادي والعيش الكريم مستدركا حالة الإعاقة في الأيام الخالية غير أنه قد وجد ذاته في أطوار حقبة جديدة من الظلم والمعاناة وإن اختلفت عن سابقتها لكن الظلم يظل ممقوتا بمختلف ألوانه وصوره ومن ذلك على صعيد العملية السياسية إجهاض الشراكة السياسية الفاعلة لأبناء الجنوب, وإقصاء الكفاءات القيادية ذات المؤهلات العلمية لتحل محلها قيادات نفعية أدمنت على مسايرة ركب الفساد والفوضى.
ولا ريب أن العبث في معيار الكفاءات والمسؤولية يعد بحد ذاته نوعا الظلم السياسي والاجتماعي ومن ضياع الأمانة وعدم النصح للرعية إذ يقول صلى الله عليه وسلم :”إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة” قيل وكيف إضاعتها؟ قال “إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة”
وهذه السياسة في واقع الأمر لم تقتصر على المحافظات الجنوبية وإنما هي سياسة عامة في عموم مناطق اليمن إلا أن خصوصية التاريخ السياسي والجغرافي في جنوب اليمن قد أكسبتها شعورا كبيرا لدى أبناء المحافظات الجنوبية بأنها سياسة ممنهجة ضدهم دون من سواهم من بقية أنحاء اليمن.
2 – إدارة الصراعات السياسية وتغذيتها:
وبعد أن قامت الوحدة اليمنية عام 90م استبشر اليمانيون في جنوب اليمن وشماله بأن عهد الصراعات السياسية وما نجم عنها من الكوارث والحروب قد انتهى إلى غير رجعة وأن الدولة العادلة المأمولة قد تحقق قدومها غير أن أحلامهم قد تلاشت بعد أن مورست سياسات خاطئة خيل إلى أصحابها أن البقاء في الحكم يتطلب إدارة الصراعات وتغذية النزاعات الحزبية والسياسية والقبلية وغيرها, فأوجدت هذه السياسة بؤرا للصراعات منذ قيام الوحدة ليستمر مسلسل المكايدات والتنافس على مواقع النفوذ من خلال توظيف الطاقات المختلفة بين الشركاء في السلطة لينتهي بعد ذلك الأمر بإعلان حرب 94م والتي فتحت الباب على مصراعيه للاستمرار على ذات النهج بعيدا عن سياسة الرشد والعمل الجاد للبناء والتنمية والنهضة وما توصلت إليه المنظومة السياسية الحاكمة اليوم ما هو إلا انعكاس لهذه السياسة التمزيقية التي كادت –لولا لطف الله- أن توصل البلاد إلى حافة الانهيار والحروب الأهلية.
3 – سوء اختيار الهيكل الإداري وموظفي الدولة:
لم تكن دولة الوحدة موفقة في تمحيص النظم الإدارية ومدى الاستفادة من أفضلها سواء كان ذلك في الجنوب أو الشمال وكذلك الأمر في اختيار الكادر الوظيفي في المحافظات الجنوبية باستثناء قلة من النماذج التي تركت آثارا حميدة لا تزال محل تقدير واحترام في ذاكرة أبناء المحافظات الجنوبية.
وفي ذات الاتجاه اختيار بعض القادة العسكريين والأمنيين الذين قاموا بممارسات خاطئة في التعامل مع أبناء الجنوب مع جنوح بعضهم إلى العبثية وسوء استخدامهم لمناصبهم, وقلة اكتراثهم بهموم الناس ومشاكلهم وتفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري والسطو على الأراضي والممتلكات العامة وربما الخاصة أيضا.
كل ذلك قد أدى إلى النفور التام لدى عامة الناس من هذه السلوكيات التي ظن كثير من الناس أنها مقصودة وموجهة بينما هي سلوكيات منبعها عدم القيام بوظيفة المحاسبة والرقابة على تصرفات الجهاز الحكومي في الجمهورية اليمنية.
ولعل في السياسة النبوية ما يشير إلى أهمية اختيار العمال وحسن تعاملهم مع الرعايا حيث أوصى محمد صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذا قائلا لهما: “بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا”, وحذر معاذا من أخذ كرائم أموال الناس وأمره برد صدقات أغنيائهم على فقرائهم.
4 – سياسة الغلبة:
بعيد حرب 94م أصدر الرئيس السابق “على عبد الله صالح” عفوا عاما لكل من شارك في الحرب ما عدا بضعة عشر رجلا, وهو ما اعتبر في حينة لدى كثير من اليمنيين بادرة إيجابية يمكن أن تسهم في التخفيف من آثار الحرب على أمل أن يصحبها برامج عملية في ترسيخ قيمة العدل والتسامح في المجتمع وتحقيق الشراكة الوطنية في الثروة والسلطة, إلا أن ما حصل بعد ذلك قد عكر أجواء هذه القيمة التسامحية وهو الاستبداد بالسلطة والاستعلاء بالانتصار والغلبة وكثرة الترديد للــ “أنا” وأخواتها في كل مناسبة حيث اعتبر ذلك كثير من أبناء المحافظات الجنوبية تصفية حسابات تاريخية وانتقاما لحروب سابقة بين الشطرين.
ويظهر أنه لم تكن هناك دراسات علمية لقياس الرأي العام في جنوب اليمن وتوجهاته فضلا عن الدراسات النفسية التي يجب أن تكون حاضرة في أعقاب الحروب لمعالجتها.
هذا الثقافة الاستعلائية التي مارسها بعض المتنفذين تقليدا قد أحدثت جروحا عميقة من الانكسارات النفسية التي ظلت تتنامى فيما بعد حتى شكلت تذمرا عاما ونفورا في أوساط المحافظات الجنوبية.
5 – المركزية والفوضى:
ومن الأخطاء السياسية التي ارتكبتها دولة الوحدة مركزية القرار وتعطيل نظام السلطة المحلية أو تهميشه وعدم مراعاة التركيبة الاجتماعية في جنوب اليمن وبخاصة في حاضرتها عدن إذ اعتاد الناس فيها على حب النظام واحترام سيادة القانون والبعد عن الفوضى وعدم التفريط في المال العام, وترك اللجوء إلى الوساطات والشفاعات والبعد عن الرشاوى مع حب التعليم والثقافة العامة.
وهي سلوكيات حميدة كان يفترض أن يحافظ عليها النظام لكنه كان فاقدا لهذه المعاني وفاقد الشي لا يعطيه.
وبدلا من ذلك كله حلت محلها أضدادها فقد أديرت المنطقة بثقافة مختلفة وسلوكيات متعجرفة أسهمت في تنامي الاحتجاجات الشعبية.

لقد نتج من آثار السياسة الخاطئة في التعاطي مع الأمور الاقتصادية في جنوب اليمن جملة من الأمور منها:-
1 – كان يفترض أن يكون من أولويات دولة الوحدة هو إلغاء قانون التأميم وما سمي بالإصلاح الزراعي والعقاري في الجنوب وانصاف الجهات التي ظلمت وصودرت ممتلكاتها قبل قيام الوحدة كخطوة أولى على طريق تصحيح الوضع ورد الاعتبار لتلك الجهات غير أن الذي حصل مختلف تماما حيث نهبت مساحات شاسعة من أراضي الدولة سواء كان ذلك بعد عام 90م من قبل بعض عناصر الحكم الشمولي, أو بعد حرب 94م من قبل بعض النافذين الشماليين ومن تواطئ معهم من الجنوبيين.
وقد تم نهب بعض هذه الأراضي على جهة التحايل في البيوع وبعضها على جهة الهبات والإقطاعات وأخرى بددت في شراء الولاءات.
وقد تركت هذه الممارسات العبثية التي تم بسببها نهب الأراضي بعشرات الكيلو مترات في بعض المناطق آثاراً سيئة حيث زادت من جشع الناهبين من الدرجة الثانية والثالثة والتعدي على الممتلكات أسوة بالناهبين من الدرجة الأولى وهو ما أثار استياء واسعا وسخطا عاما أدى إلى توسيع دائرة الحراك في جنوب اليمن.
2 – وكما حصل التلاعب والعبث بموضوع العقارات والأراضي كذلك الحال في الثروات النفطية والغازية والسمكية وغيرها, حيث غابت الشفافية في مصادر ومصارف هذه الثروات التي زخرت بها بعض المحافظات الجنوبية؛ إذ تحولت من مصادر قومية إلى عصبوية أغرت كثيرا من الناس إلى السعي في جعلها مصادر قطرية مناطقية وتشطيرية, وكثرت الأقاويل بحق وبغير حق حول الجهات المستفيدة من هذه الثروة ولم تقم الحكومة بإيجاد تفسيرات واضحة للرأي العام حول الشبهات التي ظلت ترددها المجالس اليمنية والمنتديات ووسائل الإعلام والتي تركزت بشكل دائم حول صفقات وعقود واختصاصات لقيادات سياسية وقبلية متنفذة وغيرها.
3 – نتيجة للأحوال المتدهورة في الجانب المالي والإداري والأمني فقد أحجمت كثير من الشركات والمؤسسات التجارية وانصرف أرباب المال والأعمال عن الدخول إلى ساحة اليمن الاستثمارية رغم محاولات الطمأنة التي وجهتها الدولة إلى هذه الجهات إلا أن الثقة كانت منزوعة والمصداقية غائبة نظرا لشهادة الحال التي كانت أبلغ من شهادة المقال.
وقد ترتب على ذلك انتشار واسع للبطالة وتعطيل الأيدي العاملة وركود شديد في حركة النمو الاقتصادي وزاد من هذه المأساة غياب الأمل الذي كان ينتظره أبناء اليمن عموما والمحافظات الجنوبية خصوصا وهو تفعيل ميناء عدن الحرة الذي عطلت منافعة الاستراتيجية في عهد الحكم الشمولي, بسبب السياسة الاقتصادية الخاطئة وانتهى به الحال إلى التأجير بعد قيام الوحدة لدولة خليجية بعقود مجحفة.
4 – قامت الدولة بالتجني وتعطيل كثير من الشركات والمصانع والمؤسسات العامة ومصادرتها مع توابعها وأصولها مع أنه كان بالإمكان تطويرها والاستفادة منها.
5 – وبناء على ما سبق فقد تدهورت عملية التنمية في عموم مجالاتها التقنية والتعليمية والصحية والاقتصادية فالتردي الذي أدى إلى تعثر المشاريع التنموية كان مفتاحا لكثير من الشرور الاجتماعية من السطو على الممتلكات وانتشار الرشاوى والاختلاسات وكثرت السرقات وقطع الطرقات وتعدد العصابات, وكثرة المتسولين ورافق ذلك جرائم أخلاقية في عموم مناطق اليمن بسبب الأحوال المعيشية المتردية.
وما شهدته الأعوام الأخيرة من النزوح وهجرة العقول والكفاءات خارج البلاد خير شاهد على ذلك.

1 – تم تسريح الآلاف من العسكريين بمختلف مستوياتهم وإحالتهم إلى التقاعد القسري وعلى نفس الخطى تم إقصاء الآلاف في الجهاز المدني بناء على تسييس الوظيفة مع استبدالهم بآخرين دون اعتبار للكفاءات والمعايير الوظيفية ومثل هذه الخطوة التي أقدمت عليها الدولة في ذلك الوقت من عسير التأويل أن تفهم في غير سياق الأعمال الممنهجة.
والواقع أن هناك أرقاما كبيرة تذكرها بعض الجهات غير المختصة وغير المستقلة يصعب الاعتماد عليها لسببين:-
الأول:- المكايدات السياسية المختلفة.
الثاني:- يعود إلى الأعداد الوهمية في المؤسسة العسكرية والمدنية والتي بنيت على تنافس الحزبين الحاكمين في الفترة الانتقالية بعد الوحدة.
2 – ونتيجة لبعض الممارسات الخاطئة لبعض القيادات في المحافظات الجنوبية سواء كانت بتوجيه أو من تلقاء نفسها وسوء إدارتها فيما يتعلق بالوظائف الإدارية أو الدراسات العسكرية والأمنية وحرمان كثير من الراغبين فيها من أبناء المحافظات الجنوبية تولد شعور دائم بغياب العدل والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات وسائر الوظائف وهو أمر حاصل في كثير من مناطق اليمن خاضع لاعتبارات غير موضوعية وغير عادلة.
الحراك الجنوبي:
وبناء على ما سبق من السياسات الخاطئة فقد بدأ الحراك الجنوبي في وقت مبكر عقب حرب 94م إلا أنه كان خافتا وضعيفا يتمثل في أفراد ومنظمات صغيرة لم يكن يلتفت إليها باعتبارها –حسب رأي السلطة- مرتبطة بمن فقدوا مراكزهم ومصالحهم بعد هذه الحرب ومع استمرار الأخطاء من قبل دولة الوحدة وعدم القيام بمعالجة آثار الحرب كان لا بد من ردود أفعال شعبية توسعت مع الأيام لتشكل ظاهرة الحراك في عام 2006م من خلال المتقاعدين من العسكريين قسريا ومن تبعهم من موظفي الخدمة المدنية.
وقد كانت بداية الحراك حقوقية محضة حيث وجد هؤلاء المتقاعدون أنفسهم عاطلين عن أعمالهم ومتضررين في أرزاقهم ومع تصاعد وتيرة الحراك وتعدد فعالياته الحقوقية وجد الطامعون في النفوذ ضالتهم, وسعوا لاستثماره سياسيا وتم تغذيته من قبل بعض أحزاب المعارضة التي فقدت مواقعها في السلطة حتى تحول تدريجيا إلى أن أصبح حراكا سياسيا قوبل من قبل السلطة بالقسوة في قمع المظاهرات والاحتجاجات السلمية على أن بعضا منها قد خرج عن طابع السلمية, مما أدى إلى حدوث ضحايا من القتلى والجرحى بأعداد غير قليلة مع ما صاحب ذلك من اعتقالات بين عامي 2007م وحتى 2013م
والمحصلة النهائية هو تعدد فصائل الحراك ولا سيما بعد أحداث الثورة الشبابية حتى بلغ أكثر من عشرين حراكا وإن كان بعضها قليل التأثير مقارنة ببقية الأقسام للحراك الجنوبي وفي هذه الأثناء برز إلى السطح عدة فصائل من الحراك ومنها:-
1 – حراك مؤتمر شعب الجنوب الذي يتزعمه محمد علي أحمد.
2 – حراك علي سالم البيض والمدعوم من إيران.
3 – حراك النوبة ومن معه.
4 – حراك عبد الله الناخبي ومجموعته.
5 – حراك الخبجي ومجموعته.
6 – حراك النهضة.
7 – حراك العصبة الحضرمية بقيادة عبد الله سعيد باحاج الذي يهدف إلى حق تقرير المصير لأبناء حضرموت باعتبارها –حسب رأيهم_ منفصلة في الأصل عن شمال اليمن وجنوبه ألحقت قسرا بــ (ج ي د ش) وذات هوية خاصة ويقوم على هذا الحرك مجموعة من السلاطين ورجال المال والأعمال في الداخل والخارج.
8 – حراك المهرة وجزيرة سقطرى تحت إطار المجلس العام لأبناء سقطرى والمهرة بقيادة السلطان بن عفرار المهري ويطالبون بإقليم مستقل حسب حدود ما قبل عام 67م ضمن دولة اتحادية ولهم تواصل دولي وإقليمي.
الحراك العدني الذي يطالب بشعار “عدن للعدنيين” ويعتبر أن الذين وفدوا إليها من الجنوب والشمال محتلين بما في ذلك مجاميع 67م.
وهناك حراكات أخرى وبعضها يتداخل مع بعض منها ماله صلة بأجندة الحكم الشمولي سابقا, وكثير منهم من ضحاياه.
ولا شك أن هذه المجموعات الحراكية وغيرها قد حركت كثيرا من المياة الراكدة وأصبح لها حضور بارز في المشهد السياسي, إلا أن اختلاف الرؤى والمنطلقات تشكل تحديات مستقبلية تستدعي الشعور بالمسؤولية وتغليب المصالح العليا للشعب اليمني في شماله وجنوبه بانتهاج سياسة عادلة مع ضرورة إدراك المخاطر التي تستهدف النسيج الاجتماعي والحرص على سلامته من التصدعات في ظل المطامع الخارجية.
إشكاليات الحراك الجنوبي:
من الطبيعي أن يكون لأي حركات سياسية تغييرية إيجابياتها وسلبياتها وأن يكون لها خطوات ثابتة وأخرى متعثرة, ومن هنا كان لا بد من تسليط الضوء على بعض إشكاليات الحراك الجنوبي السلمي حرصا على الاستفادة من الأخطاء السالفة ودعما لمسيرة التصحيح والاستقامة في المستقبل ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:-
1 – الخلاف الجنوبي الجنوبي:
يعتبر الخلاف الجنوبي الجنوبي عقبة في طريق النهضة والإصلاح وتحقيق الشراكة الفاعلة وهي نفسها ذات المعضلة المتكررة عبر عقود من الزمن وبعضها يعود إلى تراكمات ودسائس الاحتلال البريطاني وزرع بذور الفتنة وأكثرها يعود إلى حقبة الحكم الشمولي في ممارساته الخاطئة التي أفضت إلى سياسة الإقصاء والتهميش لكثير من المكونات السياسية الجنوبية.
وبالرغم من محاولات التصالح والتسامح التي قامت بها بعض الفئات الحراكية ابتداء من مبادرة شخصيات اجتماعية وسياسية من محافظة عدن وأبين وشبوة وحضرموت عام 2000م لردم فجوة أحداث 13 يناير والتي ذهبت إلى محافظة الضالع للتضامن مع ثلاثة أشخاص قتلوا على أيدي جهاز الأمن المركزي وما تبع ذلك عام 2006م من تأسيس جمعية ردفان للتصالح والتسامح, وأخيرا المهرجان الجماهيري بداية عامنا الحالي في 13 يناير ونحو ذلك من الجهود الرامية إلى تلطيف مناخات الصراعات في الجنوب.
بالرغم من هذا كله إلا أن العمل الجاد للتصالح والتسامح لم يجد طريقه إلى المسار الصحيح والذي يتطلب تأسيس لجنة تحضيرية من جميع القوى السياسية والاجتماعية وغيرها بما في ذلك السلاطين وأنصار جبهة التحرير والعلماء وعموم المكونات الجنوبية دون الاكتفاء بتصالح النخب التي كانت سببا في مظالم الشعب مع غياب الضحايا وهم فئات كثيرة من أبناء الجنوب في الحقبة الماضية من القتلى والمفقودين والمصابين والذين تضرروا في ممتلكاتهم وأموالهم وأهدرت حقوقهم, مع ضرورة الحذر من أن هناك فئات منتفعة لا تريد أي جهود للمصالحة الوطنية ولا حلا للقضية الجنوبية أصلا لشعورها بفقدان مصالحها في حال ما إذا تمت مصالحة حقيقية بين أبناء الجنوب.
2 – مخاوف من إعادة انتاج الصراعات:
ومن المخاوف التي لا بد أن يكون فيها قدر من التناصح والمكاشفة مسألة إعادة انتاج صراعات الجبهة القومية وما مارسته من إقصاء وتهميش واستبداد لكن هذه المرة بصورة مختلفة ومسميات جديدة وهذا الاستنتاج له ما يبرره من خلال المظاهر الآتية:-

  • وجود شخصيات حراكية لا تزال تفكر بعقلية الستينات غير مدركة للتطورات الموضوعية ثقافيا وسياسيا واجتماعيا في المنطقة.
  • تبادل الألفاظ والمصطلحات العتيقة التي صاحبت قيام الجبهة القومية من التخوين والاتهام بالعمالة وبيع الجنوب لمجرد خلافات سياسية قابلة للأخذ والعطاء وفي ذلك مؤشر خطير على العودة إلى الماضي وتحقيق مقولة “التاريخ يعيد نفسه”
  • وجود أعمال عنف بين بعض المجاميع الحراكية وهي وإن كانت قليلة إلا أن هناك مخاوف من تناميها واستصحاب صراعات الماضي وبخاصة إذا تدخلت قوى إقليمية ودولية لتغذيتها بناء على تصفية حسابات أو الحرب بالوكالة أو على قاعدة “الفوضى الخلاقة”
  • ادعاء التمثيل الحصري للحراك الجنوبي من قبل بعض المجموعات.
  • دخول أجندة إقليمية ودولية لها حساباتها السياسية لتغذية بعض مجاميع الحراك التي لا تمانع من المتاجرة بالقضية الجنوبية وفق مصالحها الخاصة دون أن يكون لديها مشروع سياسي أو خارطة طريق محددة لحل القضية الجنوبية.
  • سياسية الإرهاب والترويع التي تمارسها بعض المجاميع الحراكية ضد أبناء الجنوب ممن يخالفها في الموقف من الوحدة وقد لوحظ هذا في انتخابات رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي وما أقدمت عليه بعض المجاميع الحراكية من الوعيد والتهديد والتخويف والتعدي على الذين أرادوا ممارسة حقوقهم الدستورية ونظير هذه الممارسات- التي يظهر فيها الاستبداد بالرأي -كثير.
    ولم يكن بعيدا عن الاتهام والترويع بعض المشاركين في الحوار الوطني اليوم من قبل بعض هذه المجموعات.
  • فرض العصيان المدني بالقوة وتعطيل مصالح المواطنين في مجال التجارة والعمل والتعليم وغير ذلك.
  • قيام بعض مجاميع الحراك بعملية الشحن والتعبئة وبث الكراهية عبر منابرهم الإعلامية ومهرجاناتهم ومظاهراتهم, وتوظيف بعض التوجهات الإسلامية في الجنوب عبر منابر بعض المساجد ونشر الفتاوى الشاذة بتكريس لغة التشاحن والكراهية لكل ما هو شمالي واعتبارهم محتلين يجب السعي إلى التخلص منهم, وبالمقابل تقاعس كثير من العلماء والخطباء والمفكرين والمرشدين عن القيام بدورهم في التوعية إما خوفا على أنفسهم من التعدي عليهم من قبل تلك المجموعات, أو التخوف من المستقبل الذي قد يجعلهم تحت طائلة الاتهام والمسائلة لمجرد ابداء آرائهم استصحابا لأيام الحكم الشمولي.
    مع أننا نؤكد على وجود أصوات علمية ودعوية وسياسية وفكرية تقوم بواجبها وتصدع بقناعاتها.
  • قيام بعض الجهات الحراكية بالتعدي على بعض الباعة والعمال من أبناء المحافظات الشمالية وإحراق محلاتهم والقتل والضرب لبعض الشماليين وقطع الطرقات, وهو ما يعني غياب معاني التحضر وعدم إدراك المسؤولية أمام الله تعالى والاتجاه إلى النعرات والعصبيات الجاهلية والمناطقية التي حرمها ديننا الإسلامي الحنيف القائم على مبدأ “إنما المؤمنون إخوة” وتأباها قيمنا وعاداتنا الحميدة كما أن مثل هذه السلوكيات تأباها جميع النظم البشرية لما فيها من إهدار لحقوق الإنسان, والتعامل العنصري المقيت وهي سلوكيات لا يرتضيها عامة أبناء المحافظات الجنوبية لكنها إذا لم تعالج وتوأد في مهدها قد تؤدي إلى كوارث وانتهاكات يعجز عن حلها العقلاء والحكماء فيما بعد.

إننا في “حزب الرشاد اليمني” ندعوا جميع الاتجاهات السياسية والعلمية والفكرية والاجتماعية وغيرها إلى تغليب المصالح الكبرى وحفظ الثوابت الدينية والوطنية وعدم اخضاعها للمماحكات أو الاستثمارات السياسية حتى يتحقق العدل لأبناء اليمن عموما والجنوب على وجه الخصوص إدراكا منا بحجم المعاناة التي مورست على هذه المساحة الجغرافية من المظالم والانتهاكات التي تستدعي ضرورة الاعتذار من السلطات الحاكمة عن ممارساتها الخاطئة بحق أبناء اليمن في جنوبه وشماله منذ عام 67م وإلى يومنا هذا.
مع رجائنا من رفقائنا في العمل السياسي أن لا يستنكفوا من ذكر بعض الحقائق والوقائع إذ القصد من ذلك –كما أسلفنا- هو الاتعاظ وعدم تكرار مساوئ الماضي لا المناكفات وإثارة الأحقاد والضغائن حتى نبني يمنا جديدا متسامحا على أن الاعتراف بالخطيئة ليس عيبا بل هو خير من الجحود وتوزيع الاخفاقات على الآخرين وفي الانصياع للحقيقة سمو يرتقي بالنفس البشرية إلى إزالة الغشاوة التي تحول بينها وبين الوقوف على معاني الحكمة والبصيرة.
ونؤكد للجميع أن الخطأ لا يعالج بمثله وأن البغي لا يعالج بنظيره, ونحن على يقين تام بحكمة أهل اليمن ورقة قلوبهم ونزوعهم إلى الإيمان والخير أكدت ذلك أدوارهم العظيمة في تاريخهم السياسي والثقافي والحضاري في غابر الأزمان, وسيتجلى صدق ذلك بإذن الله فيما ينتظرهم من أدوار حضارية وأخلاقية ونهضوية في قادم الأيام.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

حلول وضمانات القضية الجنوبية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد:
فقد سبق لحزب الرشاد اليمني أن قدم رؤيته حول جذور ومحتوى القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني وها هو اليوم يتقدم برؤيته لحل هذه القضية مستنداً إلى جملة من المقدمات التي يجب أن تستصحب لحل هذه القضية:
أولاً: رفع الظلم والحيف بمختلف صوره الذي لحق بأبناء المحافظات الجنوبية منذ عام 67م.
ثانياً: ضرورة إيجاد الحلول العادلة لعموم أبناء الشعب اليمني في شماله وجنوبه وتجنب إيجاد الحلول المختزلة التي لا تبنى على أسس ومعايير العدالة العامة حتى لا تحل مشكلات بنظيراتها ويستمر مسلسل الظلم من ناحية إلى أخرى ومن حقبة إلى أختها.
ثالثاً: مراعاة الجانب الجغرافي والتاريخي والسياسي لأبناء المحافظات الجنوبية وعدم التغافل عن هذا الجانب أو التجافي عنه عند وضع الحلول.
رابعاً : مراعاة مآلات  الأمور واستشراف آفاق المستقبل عند وضع الحلول وعدم التقيد بملابسات وأحوال اللحظة الراهنة التي كثيراً ما تقودها العاطفة ولهيب الحماسات دون التبصر في دراسة التركيبة الاجتماعية والمناطقية والسياسية المعقدة التي تحتم على واضعي الحلول الغوص في أعماق وأبعاد وأسرار التركيبة المجتمعية إعمالاً لمبدأ (الدواء الناجع يبنى على التشخيص السليم).
بعد هذه المقدمة يمكن الإشارة إلى الحلول التي نراها في حزب الرشاد اليمني في الآتي :

حينما نتحدث عن الحلول والضمانات للقضية الجنوبية لابد من جملة من التدابير حتى تكون بمثابة العناوين الجادة التي لا تقف فحسب عند مجرد الإشارات للحلول بل تتخطاها إلى واقع عملي وملموس تنعكس آثاره على المواطنين في المحافظات الجنوبية ومن ذلك:
1ـ الاعتذار الرسمي من قبل الجهات التي تقلدت حكم الجنوب منذ عام 67م إلى عامنا هذا بحيث يتضمن هذا الاعتذار إدانة جميع الممارسات الظالمة التي تتابعت عليها النخب الحاكمة في جنوب اليمن لا فرق في ذلك بين المظالم والانتهاكات المتعلقة بالثقافة الإسلامية وفصل الدين عن الدولة ومحاربة الشعب في ثوابته وقيمه أو المظالم المتعلقة بالدماء وما حصل من قتل وسحل وتعذيب خارج إطار القضاء العادل أو المتعلقة بالحقوق المالية من سياسة التأميم ومصادرة الأموال والعقارات أو السطو عليها ونهبها والعبث بثروات المجتمع.
2ـ رد المظالم إلى أهلها ومعالجة مشاكل التأميم وتعويض المتضررين من هذه السياسة الجائرة وكذلك حصر كل الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بغير وجه شرعي وإعادة هذه الممتلكات إلى ملكية الدولة إن كانت من الحقوق العامة أو إعادتها إلى مالكيها الحقيقيين إن كانت من الحقوق الخاصة .
3ـ حصر ومعرفة جميع الذين سرحوا من وظائفهم العسكرية والمدنية بدون وجه حق وإعادتهم إلى أعمالهم ورد الاعتبار لهم وتعويضهم عما لحقهم من الأضرار تعويضاً عادلاً جراء هذه السياسة الجائرة .
4ـ حصر ومعرفة جميع الشركات والمؤسسات العامة التي تم التعدي والاستيلاء عليها ومعالجة أوضاع المتضررين من ذلك وتصحيح أوضاعها وإعادتها إلى الصالح العام وتفعيل دورها المجتمعي بما يحقق النفع للمجتمع .
5ـ نقترح أن تقام مخططات عقارية في ضواحي المدن الكبرى في الجنوب من عقارات الدولة ويتم بموجبها تعويض عموم المظلومين تعويضاً عادلاً يرضى بذلك أصحاب المظالم مع إعادة الاعتبار لهم.
6- تقوم الحكومة على وجه السرعة بتنفيذ مشاريع إستراتيجية وخدمية تعود بالنفع على المواطنين كتفعيل المنطقة الحرة ونحو ذلك .

وفيما يتعلق بالجوانب الحقوقية يتم التعامل مع المحافظات الجنوبية بما يتطلب مراعاة الجانب الجغرافي بالتوازن المثمر مع الجانب السكاني في شمال اليمن بنسبة عادلة ينظمها القانون في الدوائر الانتخابية وبما يحقق الشراكة الحقيقية لأبناء المحافظات الجنوبية في السلطة والثروة والوظائف العامة دون فتح  الذرائع للاستحواذ والاستفراد بالثروة والسلطة وبعيداً عن الإستقواء بالجانب السكاني أو الجغرافي.

تعتبر الثروة والموارد الطبيعية ملكاً عاماً للشعب اليمني ومورداً قومياً أينما وجدت في جنوب اليمن وشماله غير أن هذا الأمر لا يمنع من وضع إعتبارات خاصة ومميزات جغرافية لمواطن الثروة في عموم اليمن ويجب أن تخصص ما لا يقل عن 10% من الموارد السيادية لصالح المحافظة .

ينطلق الرشاد في رؤيته لحل القضية الجنوبية في الجانب السياسي من مبدأ الوحدة اليمنية التي تمت بين نظامي الحكم في شمال اليمن وجنوبه عام 90م  والتي جاءت بعد سلسلة من الإجراءات والمؤتمرات الثنائية وما تلاها من تص
ديق مجلسي الشعب والشورى ومن إستفتاءات وإنتخابات ومباركة شعبية بتحقيق هذا الحلم الذي انتظره أبناء اليمن طويلاً .وعليه فإن القضية الجنوبية – رغم تأكيدنا على خصوصياتها السياسية والتاريخية والجغرافية – تعد في واقع الأمر معضلة من معضلات الخلل في مقومات الدولة اليمنية في عموم أرجاء اليمن وحلها مرهون بحل إشكالية الدولة وقيامها على العدل والعمل المؤسسي والحكم الرشيد القائم في تشريعاته وأحكامه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بحيث يعطى كل ذي حق حقه ولا يبخس أحد ما هو له بأي اعتبار مستلهمين في ذلك أن العدل بمفهومه الشامل هو أساس الرخاء والإستقرار والأمن وأن الظلم بمختلف صوره هو أساس التدابر والبغضاء والشحناء وإثارة النعرات الجاهلية والعصبية المذمومة .

وبناءً على ذلك فإننا في حزب الرشاد نرى أن يكون شكل الدولة على النحو الآتي :
إن اتخاذ قرار بشكل الدولة يعد أهم وأخطر قرار يتخذه حزب أو كيان سياسي أو فرد أو شعب لما يترتب عليه من تبعات وآثار في كل مناحي الحياة لا تقتصر على الحاضر وإنما تتجاوزه إلى المستقبل البعيد.
لذا فإن من يتخذ قراراً في ذلك فإنه سيتحمل مسؤولية عظمى أمام الله ثم أمام شعبه وأمته ثم أمام التاريخ والأجيال القادمة.
فاختيار شكل الدولة قرار استراتيجي يحتم علينا اتخاذه بتفكير واعٍ بل بعقل استراتيجي يبذل لذلك أعظم المجهود الفكري والمعرفي ليكون قراراً صادراً من موقع المسؤولية لا قراراً تحركه العواطف المجردة أو يبنى على الآمال المتوهمة أو ينساق وراء رغبات النخب أو يكون صدى لأصوات عالية.
لذا فإننا في حزب الرشاد نؤكد على اعتبار الأسس والمعايير العلمية والموضوعية والواقعية في اختيار شكل الدولة ومن ذلك:

  • أن يعكس شكل الدولة سمات الهوية والتاريخ والجغرافيا والهموم والمطالب والتطلعات للشعب اليمني وينهض به من واقعه الأليم الذي لخصته ورقة وزارة التخطيط والتعاون الدولي المقدمة في اجتماع لندن في هذه الأرقام:
47.6%من اليمنيين يقل دخلهم عن دولارين باليوم
32.1%من اليمنيين لا يحصلون على غذاء كاف
45.3%معدل الأمية في اليمن
42%من مناطق اليمن تغطيها الطاقة الكهربائية
32%تغطية خدمات الأمن والقضاء والسلطات المحلية
76%لا يحصلون على مياه شرب من الشبكة العامة
52.9%من الشباب عاطلون عن العمل

فينبغي أن تكون هذه الأرقام وتعديلها حاضرة لدى صانع القرار في شكل الدولة التي من أهم وأوجب وظائفها تخليص هذا الشعب الأبي من معاناته وتوفير العيش الكريم والخدمات الراقية له والنهضة به نحو الرقي والتقدم.
2- دراسة واعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجغرافية والأمنية والتركيبة السكانية لليمن في اختيار شكل الدولة.
3- أن يكون شكل الدولة متلائماً ومتوافقاً مع القدرات البشرية والإمكانات المادية المتاحة والمطلوبة لإقامة الدولة لا المتوقعة من المنح الدولية المتوهمة.
4- تقدير حجم المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة في القرار ومراعاة التدرج في بناء الدولة عبر مراحل من تكوينها والتخطيط لها إلى تنفيذها وترجمتها إلى الواقع إلى التقييم والرقابة المصاحبة للتنفيذ ومقارنة الأداء الفعلي بالأداء المرغوب فيه أو المخطط له وتحديد آلية وفترة الانتقال لكل مرحلة.
5- مراعاة التوافق والتوازن بين مفردات البناء التنظيمي للدولة والابتعاد عن الصيغ المعقدة واختيار الصيغ المبسطة والسلسة والواضحة في تحقيق وأداء وظائف الدولة.
6- اعتبار مؤثرات المحيط الخارجي بمتغيراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعلاقته التعاونية أو التنافسية أو العدوانية باليمن.
7- أن يبنى قرار شكل الدولة على المعلومات العلمية الكافية والدقيقة للأبعاد المقومة للدولة والمؤثرة فيها ومدى مناسبة النماذج المقترحة من الخبراء للواقع اليمني، وتحليل الأخطاء والانحرافات في الدولة القائمة وتحديدها هل هي في نوع الدولة أم في إدارتها ونظام حكمها .
ولأن المعلومة هي الركيزة الأساسية لدعم واتخاذ القرار فعلينا أن نحدد الخبرات والمعلومات المطلوبة لذلك لا أن نكون وعاء لخبرات ومعلومات لمجرد أنها متاحة ومتوفرة.

لذا فإن حزب الرشاد يرى أن شكل الدولة اليمنية هو:

 ( الدولة البسيطة اللامركزية ذات الحكم المحلي الكامل الصلاحيات مالياً وإدارياً )

والتي سنحدد تفاصيلها لاحقاً من خلال تكامل ودقة المعلومات ونتائج البحوث العلمية وقواعد البيانات الحديثة مع ما سيقرره مؤتمر الحوار الوطني في ذلك .

إن الضمانات الحقيقية تتطلب أموراً لا بد من اعتبارها:
بناء وترسيخ الثقة والتآلف بين أبناء الشعب اليمني في جنوبه وشماله وإزالة جميع الأسباب والمماحكات التي أوجدت شروخاً وتصدعات اجتماعية بين أبناء المجتمع اليمني.

  • إقامة دولة المؤسسات والحكم الرشيد القائم على العدل وإصلاح المنظومة القضائية وترسيخ معاني الحقوق المشروعة والحريات المعتبرة في أوساط المجتمع .
  • بناء جيش وطني ولاؤه لله ولدينه ثم لوطنه وأمته بعيداً عن الولاءات الحزبية الضيقة والمناطقية والقبلية .
  • إيجاد ميثاق شرف بين أطراف العمل السياسي .

والله الهادي إلى سواء السبيل

قضية صعدة

جذور قضية صعدة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:-
فإن الله سبحانه وتعال بعث محمدا صلى الله علي وآله وسلم بالهدى ودين الحق وأمره بإقامة العدل والقسط، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.
وقد سار على هدى القرآن الكريم والسنة النبوية أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون أئمة الدين الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون ، ثم تعاقبت القرون المفضلة على الجادة يحرصون على الجماعة ويبتعدون عن الفرقة ويمتثلون قوله سبحانه وتعالى “الذين جاءوا من بعديهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم”.
ولقد حذرنا القرآن الكريم من التفرقة وأمرنا بالاجتماع كما في قوله تعالى ” إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء” ، وجاء عن رسول الله أنه قال ” إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجد وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة”.

جذور وأبعاد قضية صعدة:-
وحينما ننظر إلى قضية صعدة وأبعادهها وتداعياتها فإن الوصول إلى حقيقة المشكلة لايخرج صعدة عن بقية مناطق اليمن فيما تعانيه من تهميش إلا أن السبب الرئيس الذي فاقم مشكلة صعدة وميزها عن بقية محافظات الجمهورية بمزيد من المآسي هو:-
قيام جماعة الحوثي بالتمرد المسلح على الدولة.
حينما توجهت الجماعة إلى الإعداد والعمل المسلح وبناء المتارس وحفر الخنادق وجمع الأسلحة بمختلف أنواعها وتكريسها دخلت في صراع مسلح مع الدولة وحروب متلاحقة ذهب ضحيتا عشرات الآلاف من القتلى والجرحى من الجانبين.
السيطرة على محافظة صعدة:
وبعد أن تدهورت الأوضاع الأمنية والاقتصادية وتوسعت دائرة المعارضة السياسية في اليمن وكثرت الاضطرابات في البلاد قامت جماعة الحوثي قبل عام 2004م بإغلاق مناطق جبال مران – مديرية حيدان وعزلها عن سيادة الدولة ونفوذها وفرضت على الناس الزكوات وألزمتهم بأنواع من الضرائب والإتاوات وقامت بتوزيع وشراء الأسلحة وشكلت مجاميع منظمة ومتعددة وأصبحت تتدخل في شؤون الدولة والمجتمع ممثلة خطرا حقيقيا وتهديدا للسلم الاجتماعي والأمن.
وانطلقت الجماعة في العمل التعبوي والتحريضي وشيئا فشيئا توسع نشاطها في عموم صعدة وانتشرت المليشيات التابعة لها في عموم المحافظة حتى سقطت المحافظة في يد الحوثيين وقامت بفتح معسكرات التدريب وعملت على تصنيع الألغام والمتفجرات والقذائف والقنابل محلية الصنع عبر دائرة الإنتاج اليومي مع مايتم استيراده من الأسلحة من مناطق أخرى.
وبعد أن استتب الأمر لجماعة الحوثي في صعدة وخرجت المحافظة عن سيطرة الجمهورية اليمنية تجاهلت الممارسات في الآتي:-
قامت بتهجير السلطة المحلية الشرعية ونصبت محافظات غير شرعي وغير قانوني يستمد توجيهاته من عبدالملك الحوثي.

  1. قامت بتعيين وكلاء للمحافظة ومدراء عموم المكاتب والمديريات ومسئولي المحافظة من التابعين لعبد الملك الحوثي دون أن يكون لهم مستند قانوني أو تكليف أو قرار من الجهات الحكومية المختصة.
  2. تولت جماعة الحوثي تحصيل الأموال والفروضات المالية من الزكوات والواجبات وفرضتها على المواطنين بالقوة والقسر لصالح الخزينة التابعة للجماعة.
  3. أحدثت نقاط التفتيش المنتشرة ضد المواطنين والمدنيين.
  4. مارست أنواعا من الأعمال القمعية والإرهابية ضد أبناء المحافظة ومن ذلك الاغتيالات والاختطافات والتعذيب في سجونها الخاصة والقيام بالتهجير والتشريد.
  5. ممارسة الاضطهاد الفكري لمخالفيها ومصادرة الآراء المخالفة لها وتهديد المواطنين في صعدة بحجة وقوفهم مع النظام السابق تارة وبحجة المخالفة الفكرية تارة أخرى ، وقد هدمت بعض مساجد المحافظة وأغلقت بعضها وحاصرت مركز دار الحديث بدماج الذي أسسه العلامة مقبل بن هادي الوادعي –رحمه الله- وقتل فيه أكثر من 70 طالبا وأكثر من 100 جريجا ، ومنعت عن المركز الغذاء والدواء وحليب الأطفال والأدوية الخاصة بمرض الضغط والسكر وغيرها.
  6. حظرت أي نشاط يخالف توجهاتها بما في ذلك أنشطة دعاة الزيدية وشبابها المخالفين لها وكذا نشاط جماعة الدعوة والتبليغ وأنشطة الأحزاب السياسية حتى وصل الأمر إلى مداهمة مقراتها ومصادرة محتوياتها.
  7. هجرت عشرات الآلاف من المواطنين من أبناء صعدة وغيرها وأصبحوا فاقدين لمزارعهم ومساكنهم متنقلين في محافظات اليمن المتعددة يعيشون أوضاعا إنسانية مأساوية.

خلاصة الأمر:
فإن جماعة الحوثي جماعة متمردة مسلحة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة خارج إطار المشروعية القانونية تهدف إلى إقامة كيان سياسي مستقل عن نظام الجمهورية اليمنية عبر وسائل سياسية وعسكرية قد جعلت من محافظة صعدة منطلقا لحركتها ، وتهدف إلى تمديد نفوذها في جميع مناطق اليمن مستفيدة في ذلك من ضعف وجود الدولة ومؤسساتها ومن الدعم الإقليمي المباشر واللوجستي.
ونحن في الرشاد ندعو جماعة الحوثي إلى التعايش السلمي، وعدم فرض الآراء بالقوة، ونبذ أسباب الكراهية والعنف وسلوك النهج السياسي المشروع في إطار سيادة الدولة والنظام والقانون وتحت سقف الجمهورية اليمنية دون اللجوء إلى قوة السلاح وأعمال الإرهاب.
كما أننا ندعوهم إلى الرجوع إلى الحاضنة الوطنية وفك الارتباط والارتهان للأجندة والمشاريع الخارجية.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وجنب اليمن كل سوء ومكروه.

محتوى قضية صعدة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابتة أجمعين
وبعد:
فإن محتوى قضية محافظة صعدة والمناطق المجاورة يعد نتيجة وأثرا ومظهرا من مظاهر الأسباب والجذور المتبلورة في الأعمال المسلحة التي أقدمت عليها جماعة الحوثي معلنة بذلك تمردها على الدولة والشعب وقد سبق وأن أوضحنا جذور هذه القضية سلفاً, ونزيد الأمر أيضاحا في المحتوى على النحو التالي:-

محتوى قضية محافظة صعدة والمناطق المجاورة يعود من جهة الأطراف إلى طرفين أساسيين.
الأول:- جماعة الحوثي.الثاني:- الجهات الآتية:-

  1. الدولة.
  2. عموم المواطنين في صعدة وحجة والجوف وعمران وبعض مناطق صنعاء وغيرها.
  3. منطقة دماج, ودار الحديث فيها.
  4. جماعة محمد عبد العظيم الحوثي الزيدية.
  5. تجمع قبائل كتاف.
  6. الأحزاب السياسية.
  7. الفئات المجتمعية الأخرى, معلمون, وخطباء,وشباب,ونساء, وناشطون, وإعلاميون, وشعراء , وتجار ومنظمات المجتمع المدني..الخ.

والعلاقة بين الطرف الأول جماعة الحوثي المسلحة والطرف الثاني بكل مكوناته هي علاقة عدوان جماعة الحوثي وتمردها المسلح على الدولة والشعب اليمني بكل فئاته في تلك المناطق والمتمثل في الحروب التي خاضتها جماعة الحوثي ضد قوات الجيش والأمن ومؤسسات الدولة, وما نتج عن ذلك من قتل وجرح الآلاف من أبناء الشعب اليمني, والهجوم على منطقة دماج ومحاصرتها وقتل وجرح المئات فيها وتعدي جماعة الحوثي على قبائل كتاف, وجماعة محمد عبد العظيم الزيدية أنصار مجد الدين المؤيدي وكذلك الهجوم المسلح على مقرات الأحزاب والمنظمات الأهلية ومصادرة ممتلكاتها وإخضاع جميع تلك المناطق بقوة السلاح وفرض الإتاوات المالية عليهم وقطع السبل بإقامة نقاط التفتيش والمداهمات الليلية على البيوت وتهجير كثير من المواطنين  من قراهم ومحلاتهم ومزارعهم واعتقال المئات في معتقلات سرية خاصة بهم وترويع المواطنين والتحكم في مصالحهم ومعايشهم وإعاقة عمل وصول المنظمات الإنسانية المحلية والدولية.
مع التأكيد على أن جماعة الحوثي هم أساس النزاع المسلح مع جميع الأطراف المذكورة في محافظة صعدة حتى امتد هجومها المسلح إلى محافظة الجوف وحجة وعمران ومنطقة حرف سفيان وغيرها من مناطقة اليمن.
والوقائع لم تسجل نزاعا أو اشتباكا مسلحا بين الدولة والمواطنين خارج تنظيم الحوثي أو الدولة وجماعة دار الحديث بدماج أو الدولة وجماعة محمد عبد العظيم الحوثي أنصار مجد الدين المؤيدي وكذلك لم تسجل الوقائع اشتباكا مسلحا بين هذه الأطراف بعضها مع بعض رغم اختلاف مكوناتها الفكرية والقبلية والسياسية.

ثانيا:- الوضع الحالي في محافظة صعدة والمناطق المجاورة

  1. انعدام تواجد الدولة وتمكن جماعة الحوثي المسلحة من السيطرة على سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية في محافظة صعدة وماجاورها.
  2. تعيين مسؤولي السلطة التنفيذية في محافظة صعدة من محافظ المحافظة إلى أدنى إدارة فيها من قبل جماعة الحوثي؛ بل إن محافظ المحافظة يوكد أنه يتلقى توجيهاتة من قبل عبد الملك الحوثي؛ بحيث اقتصرت مهمة الدولة على توفير الميزانية والأجور والمرتبات لسلطات الحوثي في الوقت الذي تعود فيه العائدات الزكوية والضريبية والانتاجية من محافظة صعدة وماجاورها لصالح جماعة الحوثي وهو وضع لا يتصور في أي دولة في العالم المعاصر.
  3. هيمنة جماعة الحوثي وتحكمها في حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وفرض فكر ومنهج وسياسة وخطاب إعلامي وديني خاص بها على جميع المواطنين.
  4. تغيير الثقافة والهوية الوطنية للجمهورية اليمنية من خلال سياسة عامة لجماعة الحوثي وصلت إلى مستوى فرض التعليم والمناهج الدراسية في المدارس الحكومية خارج مناهج ومقررات وزارة التربية والتعليم وتهجير المدرسين وإحلال أو استبدالهم بآخرين موالين لجماعة الحوثي.
  5. نزوح كثير من التجار ورجال المال والأعمال عن الاستثمار في محافظة صعدة وماجاورها نتيجة للأوضاع الراهنة مما حرم المحافظة وماجاورها من كثير من عوامل الانتاج والدخل وتوفير فرص العمل وتعطيل الإعمار والتنمية وتوجيه مشاريع الإعمار والإغاثة غالبا لصالح ولاءات جماعة الحوثي.
  6. تحويل كثير من مرافق الدولة الرسميةوالخدمية إلى مقرات لجماعة الحوثي.
  7. قامت جماعة الحوثي بتهجير كثير من أبناء محافظة صعدة والمناطق المجاورة من منازلهم واستبدلتهم بآخرين موالين لها من مناطق مختلفة.
  8. منع المظاهرات والاعتصامات وجميع الفعاليات السياسية خارج إطار جماعة الحوثي.
  9. الاعتداء المسلح على النشطاء والمخالفين لهم واستمرار مسلسل الاعتقالات اليومية والمداهمات الليلية للناشطين والناشطات من الأحزاب السياسية والجمعيات والجماعات الإسلامية وكذا الشباب والطلاب والقبائل وغيرهم؛ حتى لقد أصبحت الاختفاءات القسرية مظهرا يوميا تمارسه جماعة الحوثي دونما حسيب أو رقيب.
  10. مداهمة المساجد وإغلاق كثير منها عن القيام بوظيفتها الدينية واعتقال الخطباء والأئمة ومنع الناس من ممارسة شعائرهم الدينية؛ بل وصل الأمر إلى تفجير عدة مساجد وإحراق مكتباتها وفرض معتقد وفكر ديني على مخالفيهم.
  11. خلفت الحرب ولازالت ماسي واوجاع فكم يتمت من اطفال ورملت من نساء وخلفت من اصابات وعاهات واعاقات معيقة ومقعدة ودمرت من ممتلكات خاصة وعامة.
  12. ممارسة ابشع أنواع التعذيب في سجون مليشيا الحوثي وامتهان كرامة الانسان و ادميته ولا زال كثير من ابناء المحافظة وما جاورها مفقودين ومغيبين قسريا على يد هذه المليشيا.

ثالثا:- الوضع الحالي خارج محافظة صعدة والناطق المجاورة

  1. تشريد ونزوح عشرات الآلاف من أبناء محافظة صعدة وما جاورها ليعيشوا مهجرين في ظروف مأساوية دون التفات جاد إليهم من قبل الدولة أو المنظمات المعنية لإيجاد حلول جذرية لأوضاعهم المزرية أو العمل على عودتهم الآمنة الى منازلهم تحت حماية الدولة وسلطانها.
  2. نتيجة لعدم وجود الدولة في محافظة صعدة والمناطق المجاورة وانعدام سيادة النظام والقانون وفرض جماعة الحوثي المسلحة وجودها بالقوة فقد أصبح الرجوع إلى محافظة صعدة والمناطق المجاورة محفوفاً بالمخاطر لا سيما والممارسات القمعية شبه يومية.
  3. إستغلال الأوضاع الراهنة بصعدة من بعض القوى السياسية كورقة للمناكفات والمكايدات والمماحكات على حساب حقوق الناس ومصالحهم.
  4. إقصاء أبناء محافظة صعدة وماجاورها من مشاركتهم في مؤتمر الحوار الوطني الشامل وحصر تمثيل قضيتهم في جماعة الحوثي المسلحه مع أن المبادرة الخليجية تنص على حل قضية محافظة صعدة  علماً أن الحوثي لا يمثل أبناء صعدة وأنما يمثل نفسه وجماعتة .
  5. استمرار الدعم الخارجي السياسي والمادي لجماعة الحوثي المسلحة وتدفق دفعات الأسلحة لهم ولتجار السلاح المتنفذين في صعدة والمرتبطين بجماعة الحوثي إلى يومنا هذا.
  6. جعل جماعة الحوثي المسلحة من محافظة صعدة مركزاً لعملياتهم العسكرية التي تطال المحافظات المجاورة وتتوسع فيها كالجوف وحجة وعمران ومحاولة السيطرة على ميناء ميدي مماأسفر عن قتل وتهجير كثير من أبناء تلك المناطق وتخريب منازلهم وضياع ممتلكاتهم .

وأمام مثل هذا الوضع اللإنساني واللاقانوني فإن الجميع مطالبون أمام الله أولا ثم أمام الشعب اليمني بتشكيل لجنة قضائية مستقلة بإشراف رئيس الدولة للنظر في قضية صعدة ومشروعية ممارسات وأنشطة وتكوين التنظيم الحوثي المسلح.
وضرورة قيام الدولة بواجبها وبسط نفوذها لحماية المواطنين ومتابعة مجريات الأحداث والرقابة عليها.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وجنب الله اليمن كل سوء ومكروه.

حلول وضمانات قضية صعدة

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين وعلى آلة الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين وبــعــــــــــــــــــد:
ففي مامضى تقدم حزب الرشاد برؤيتة حول جذور قضية صعدة ومحتواها وهاهو اليوم يساهم في وضع حلول ومعالجات وضمانات هذه القضية الشائكة التي نسأل من الله أن يعين على حلها والحلول نراها في الآتي :
1-بسط سلطات الدولة وسلطة النظام والقانون على محافظة صعدة وماجاورها والتسليم الفعلي من قبل جماعة الحوثي بحق الدولة في بسط سلطتها ووقف مباشرة السلطات الفعلية للدولة من قبل الجماعة.
2- المبادرة الى التخلي عن السلاح خارج أطار القانون وخاصةً السيادي منه وأرجاع المنهوب الى معسكرات الدولة.
3- العوده الآمنه لللنازحين والمهجرين وإزالة كل الأسباب والمخاوف التي حالت دون عودتهم .
4- يجب على جماعة الحوثي مراجعة خطابها وضبطه,بما يتوافق مع قيم التعايش والعدالة والمساواه والمواطنة وحقوق الأنسان.
5- وقف جماعة الحوثي كل الممارسات الماسة بحقوق الافراد والجماعات والعمل مع جميع القوى على مباشرة مسار تصالحي يضمن التعايش السلمي والتنافس معاً.
6- إعادة اعمار مادمرتة الحرب والتعويض العادل وجبر الضرر بحق أبناء محافظة صعدة والمناطق المتضررة.
7- إعادة المساجد والمركز العلمية الى القائمين عليها ومغادرة جماعة الحوثي بيوت المواطنين وممتلكاتهم التي لاتزال تحتلها حتى اللحظة.
8- كشف جماعة الحوثي عن مصير المختطفين والمخفيين قسراً وإطلاق كافة المعتقلين.
9-  إعتذار جماعة الحوثي لأبناء محافظة صعدة وماجاورها وتعويضهم عما ألحقته بهم من ضرر مباشر أو غير مباشر.
وختــــامـــــــــــــــــــــــــاً:
نرجوا الله وفي هذا الشهر الكريم أن يمن على اليمن باليُمن والأيمان وأن يجنبها الفتن ويحفظ عليها دينها ويصلح دنياها.                      

زر الذهاب إلى الأعلى