الحوار الوطنيرؤى الأحزاب

السلطة القضائية بين الواقع والمأمول في الدولة القادمة ورقة من إعداد: د. نهال ناجي العولقي

تمثل السلطة القضائية قوة القانون وميزان العدل وقاعدة الحكم، أساس الأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، تحفظ حقوق الناس وتحمي أصحابها، وتدافع عن مصالح الأمة والأفراد ضد مختلف المخاطر.

المطلب الأول: واقع القضاء في الجمهورية اليمنية

أولا: عدم استقلالية القضاء:  بينت الخطة القطرية التي أعدتها الحكومة اليمنية في عام 2005 من أجل التأهل لمساعدات صندوق التحديات الألفية الأمريكي مشاكل المؤسسة القضائية في اليمن. وبعد أن أكدت بان دستور الجمهورية اليمنية ينص على الفصل بين السلطات  وعلى استقلال القضاء، وان قانون العقوبات اليمني يجرم أي محاولات تبذل من اجل التأثير على القاضي وعلى أوجه الخصوص تدخل موظف حكومي أو أي شخص ذو نفوذ، أوضحت أن قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 1991 لم يعدل صلاحيات السلطة التنفيذية في الشؤون القضائية  مما يؤثر على استقلالية القضاء.

         ويلاحظ أن القانون رقم 15 لسنة 2006 الصادر بتعديل بعض مواد القانون رقم 1 لسنة 1991 بشان السلطة القضائية جاء ليكرس تبعية القضاء للسلطة التنفيذية.

 نماذج من أشكال تبعية القضاء في اليمن وآليات إخضاعه للسلطة التنفيذية

1- يتم ترشيح وتعيين وإعادة تعيين رئيس وأعضاء المحكمة العليا من قبل السلطة التنفيذية.

2- هيئة التفتيش القضائي تتبع وزارة العدل .

3- مجلس القضاء الأعلى جهاز إداري تنفيذي ، يتبع السلطة التنفيذية ، ويتم تعيين أعضائه بقرار رئيس الجمهورية .

4- يتم تعيين رؤساء المحاكم وقضاتها وأعضاء النيابة العامة بقرار رئيس الجمهورية، بناء على ترشيح من وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى .

5- يتم تعيين مساعدي النيابة بقرار من وزير العدل ، ويتبع أعضاء النيابة العامة وممثليها وزير العدل (مادة 65  من القانون (.

6- تحدد الحكومة المرتبات والبدلات الوظيفية للقضاة ، ويخضعون في المساءلة مباشرة لوزير العدل (مادة91 من القانون(.

7- تحدد ميزانية السلطة القضائية بناء على تقديرات السلطة التنفيذية .

ثانيا: ضعف الكفاءة والتقليد: وبحسب الخطة القطرية ذاتها تعاني المؤسسات القضائية من القضاة والإداريين غير المؤهلين، وكذا تردي الأداء الوظيفي، بالإضافة إلى أن نظام إدارة المحاكم نظام قديم ولا يستفيد من التقنيات الحديثة في الإدارة، كما أن غياب أنظمة المعلومات وعدم التنسيق بين المؤسسات المختلفة يزيد من ضعف وقصور هذه المؤسسات .

  وبحسب تقرير المنظمات غير الحكومية المقدم إلى لجنة حقوق الإنسان حول وضع الحقوق المدنية والسياسية في اليمن في يوليو 2005، فان النظام القضائي في اليمن لا يزال يقوم على التقليد سواء فيما يتعلق بالإدارة أو المعرفة أو الأداء، وانه غير قادر على القيام بمهامه المتمثلة في حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان أو الحريات الأساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولتأهيل القضاء ليقوم بمهامه فانه يحتاج إلى إصلاحات جذرية.

آثار ضعف الكفاءة والتقليد

1- التناقض والتعارض في إصدار وتنفيذ وتفسير الأحكام.

2- البطء والمماطلة في انجاز القضايا وحلها.

ثالثا: استشراء الفساد في السلطة القضائية: إن القضاء المستقل وفرض تنفيذ القانون الذي يتميز بالفاعلية ، لهو ضرورة مطلقة لأي بلدٍ يأمل في تحقيق نجاح مستدام في السيطرة على الفساد … وهناك إجماع على أن الحكم الجيد يقتضي تأسيس وتكريس سيادة القانون ، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه عندما يكون المسؤولون عن القضاء وتنفيذ القانون غير فعَّالين أو تعوزهم الكفاءة أو أنهم فاسدون … كما أن الجهاز القضائي حين يكون تابعاً للسلطة التنفيذية يميل إلى الابتلاء بالفساد. (السيطرة على الفساد دليل للبرلمانيين، المركز البرلماني الكندي والبنك الدولي ، ص 30 ).

رابعا: حلول التحكيم القبلي التقليدي محل التحكيم القضائي العصري: في اليمن حالات عديدة جداً من الأحكام القضائية التي لا تنفذ أصلاً، إلى جانب أن هناك جرائم جسيمة وغير جسيمة لا تصل إلى أبواب المحاكم. فإذا كانت هناك قضية جنائية على أحد المقربين أو الوجاهات ، تعمل السلطة ومراكز النفوذ – تجنباً للعقاب – على تعطيل القانون أو تجميد الأحكام القضائية باللجوء إلى العرف القبلي والضغط على أصحاب الحق للقبول بالصلح  وفق العرف، مقابل تعويض مالي، تدفعه في معظم الحالات السلطة من خزينة الدولة وليس حتى من حساب الجاني. وأحيان أخرى إذا ما رفض صاحب الحق نتيجة التحكيم ، تظل القضية معلقة ولا تدخل المحكمة لسنوات طويلة، على اعتبار أنها أصبحت في إطار التسوية والصلح بالتحكيم القبلي .

خامسا: التمييز بين الرجال والنساء في تولي القضاء: لم يكن يعرف النظام القضائي في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أي تمييز بين الجنسيين في تولي مهام القضاء اتساقا مع مبادئ المواطنة المتساوية والمساواة أمام القانون بين الجنسين التي أقرها دستور البلاد وكانت أول قاضية في جمهورية اليمن الديمقراطية قد تولت هذا المنصب عام 1973 . بينما كان القانون في الجمهورية العربية اليمنية يحظر تولي المرأة للقضاء . وفي هذا السياق أشار ملف المساواة بين الجنسين حول حالة الفتاة والمرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الصادر عن منظمة اليونسيف في عام 2007 في الفقرة 4 بعنوان المشاركة السياسية للمرأة بأنه منذ العام 2007 سمح للمرأة في الجمهورية اليمنية بأن تلج معهد القضاء الذي يسمح لها أن تنخرط في سلك القضاء. إلا أنه وإلى اليوم لم تعين أي قاضية في هذه الدولة، الشيء الذي أبقى على نفس العدد من القاضيات الجنوبيات اللاتي دخلن في سلك القضاء في عهد دولة النظام والقانون والمساواة ، دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وحسب التقرير يوجد حاليا 32 امرأة قاضية فقط في مقابل 1200 قاضي رجل.

المطلب الثاني: متطلبات إصلاح النظام القضائي في ظل اختيار النموذج الاتحادي

 إن إصلاح المنظومة القضائية عضويا ووظيفيا بات أمرا ملحا لا مندوحة عنه، حيث لا حكم رشيد دون سيادة للقانون ولا سيادة للقانون دون قضاء مستقل ونزيه وكفء. وعليه فإنني أقترح جملة  من الإصلاحات من واقع استشراف ملامح الدولة القادمة  وهي على النحو الآتي:

أولا: ضمان استقلال القضاء كسلطة ثالثة : وذلك باتخاذ التدابير القانونية التالية:

1- تحويل المجلس الأعلى للقضاء إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية أو مجلس العدل الأعلى. يقوم بإعادة هيكلة السلطة الفضائية للدولة الاتحادية ويسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم. ويجب أن يكون النظام الأساسي للقضاة متطابقا مع قانون حماية استقلال القضاء الواجب سنه وإصداره، ومع المعايير الدولية لاستقلال السلطة القضائية وحيادها، بما فيها المعايير المتعلقة بقضاة النيابة العامة.

2- تعزيز مكانة السلطة القضائية وهيبة دولة القانون، بمنع التعدد في المرجعيات  القانونية في الدولة والمجتمع، وبحيث تكون أحكام القضاء المستندة للقوانين والتشريعات الرسمية النافذة  هي الفيصل ، دون غيرها ، في تحقيق العدالة بمعنى إلغاء عملية إصدار أو تنفيذ الفتاوى الدينية في الأمور المبينة في القانون، أي تنزيه الدين من التسييس وتوظيف فتاواه بين الحين والآخر لصالح الساسة. كذلك الأمر بالنسبة إلى أهمية إنهاء اللجوء إلى عمليات التحكيم بالأعراف القبلية ،وإخضاع مواطني البلاد كافة، أيا كانت مكانتهم، لحكم القانون .

3– إنشاء محكمة دستورية  اتحادية تتألف من قضاة اتحاديين يتم انتخابهم من بين قضاة محاكم الأقاليم، تختص بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون اتحادي من قبل هيئة أو شخص عادي. كما تفصل المحكمة الدستورية الاتحادية في قضايا تنازع السلطات فيما بين أقاليم الدولة وتعارض قوانينها مع الدستور الاتحادي. بالإضافة إلى محاكم دستورية إقليمية تضمن دسترة القوانين في الأقاليم ( أي عم تعارض قانون الإقليم مع دستور الإقليم  ذاته).

4- اعتماد نظام الانتخابات لأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، مع الأخذ بعين الاعتبار حصة المرأة. وجعل مساءلة القضاة أمام مجالس التأديب وهيئات التفتيش القضائي المستقلة التابعة للمجلس في كل إقليم ، بعد فصلها عن وزارة العدل وإلحاقها بالسلطة القضائية.

5- تحقيق الفصل الكامل للنيابة العامة عن السلطة التنفيذية، وإلحاقها بالسلطة القضائية، ليتعزز دورها المستقل في تحريك دعاوى الفساد.

ثانيا: تبني نظام القضاء المتعدد إن أمكن، بحيث تنشأ محاكم قضائية نوعية على مستوى الأقاليم، تختص بالولاية في النظر في قضايا من نوع خاص كمحكمة دستورية وتجارية وإدارية ومحكمة خاصة بالأسرة، وأخرى عقارية . ويحدد القانون إجراءات ومستويات التقاضي في كل منها. مع إلغاء العمل بالمحاكم الاستثنائية وإلغاء محكمة الصحافة التي تعد نقطة سوداء في جبين حرية الرأي والتعبير في اليمن.

ثالثا: وضع آليات جديدة وفاعلة لضمان التحاق الفتيات بالمعهد العالي للفضاء، وتعيينهن كقاضيات في المحاكم والنيابات، بحسب شهادات التخرج، وتوفير شروط المنافسة المتكافئة بين الجنسين في الترقيات إلى المحاكم الأعلى درجة وفي الانتداب .

رابعا: أن يسري نظام الذمة المالية ومدونات السلوك على أعضاء السلك القضائي أيضاً، لضمان نزاهة وحياد واستقلالية القضاة، إلى جانب السماح لهم بإنشاء جمعياتهم وروابطهم المدنية التي تتكفل بحل مشاكلهم المتعلقة  بأوضاعهم وحقوقهم المهنية والدفاع عنها ، مع تأمين الحصانة القضائية وشروط السلامة والأمن الوظيفي.

خامسا: إعادة غربلة التعيينات في الجهاز القضائي، باستبعاد القضاة الفاسدين، وإعادة تأهيل القضاة التقليديين الذين يصعب عليهم تطوير معارفهم والارتقاء إلى المستويات التي تتطلبها مفاهيم القضاء الحديث، مع تمكين القضاة من ذوي الكفاءة العلمية والخبرة العملية، المشهود لهم بالنزاهة .على أن تسري هذه القاعدة أيضاً على العاملين في المستويات القضائية الأخرى، مثل كتَّاب المحاكم والمحققين ، والمدعين العامين …الخ .

سادسا: إنشاء وتنظيم الشرطة القضائية.

زر الذهاب إلى الأعلى