كتابات

الإعلام العربي والإسلامي في مواجهة تهويد القدس

تهويد القدس*محمد الأحمدي

تراوحَ أداء الإعلام العربي بمختلف مشاربه وأنواعه خلال السنوات الماضية بين الغياب أو الأداء الخجول لقضايا تهويد القدس وتغطية مختلف الأنشطة التي تمارسها المؤسسة الصهيونية بوتيرة عالية في هذا السياق.

ومن خلال استقراء أولي لأداء عدد من وسائل الإعلام العربي (حكومية وأهلية)، (مرئية ومقرؤة)، لهذه القضية خلال العامين الماضيين 2011 و2012، تبرز جملة من الإشكاليات، أهمها:

أولاً: غياب الوعي العربي بحجم المخاطر التي تتهدد القدس

لا تزال الصورة ناقصة لدى الكثير من الناس في الوطن العربي بمن فيهم رجال الإعلام حول ماهية تهويد القدس، حيث يقتصر مفهوم التهويد لدى البعض على مسألة احتلال الأرض، في الوقت الذي تتضاعف حجم المخاطر المحيطة بمدينة القدس والمسجد الأقصى، على أكثر من صعيد، ليست مشاريع الاستيطان وطرد الفلسطينيين من القدس إلا واحدة من تلك المخاطر.

عمليات تهويد القدس تجري على قدم وساق، من خلال العمل على عزل المدينة من كافة النواحي والطرد المنهجي للفلسطينيين، بالتزامن مع أعمال توطين اليهود، إضافة إلى ضم الأراضي وطمس المعالم العربية والإسلامية في المدينة، ناهيك عن عمليات الحفر المتواصلة التي تهدد المسجد الأقصى بالانهيار، ومحاولة تغيير المعالم وقلب الأسماء وخلق تاريخ مزور، لمحو الذاكرة الفلسطينية والإسلامية وسط صمت عربي وإسلامي.

والأمر الآخر، يلاحظ أن الإعلام العربي لم يواكب تطورات الصراع القانوني المرتبط بهذه القضية على المستوى الدولي، فالقرارات الأممية التي تنسف كافة الأعمال والتشريعات والممارسات الإسرائيلية الهادفة إلى تغيير وضع القدس، لا تكاد تلقى لها بالاً في أجندة الإعلام العربي.

ثانياً: عدم وجود آلية إعلامية للتعاطي مع مخططات تهويد القدس

ثمة إشكالية أخرى تتعلق بغياب الإعلام العربي في التعاطي مع تسريبات الإعلام الصهيوني المتعلقة بمخططات تهويد القدس، فالخطط والمشاريع العمرانية والاستيطانية الإسرائيلية الخاصة بإعادة رسم معالم مدينة القدس منشورة منذ عدة سنوات ويمكن الاطلاع عليها بطرق مختلفة، غير أن الطرف العربي لا يحب القراءة، كما يقال، ويفضل تحرير القدس بقفزات هوائية وخطابات متكررة العناوين والمحتوى، حسب تعبير الباحث الفلسطيني البرفسور عبدالستار قاسم، الذي يؤكد بأن خطط إسرائيل واضحة بشأن البلدة القديمة وبشأن محيطها، وهي تضع تفصيلات للأماكن السكنية، وللشوارع والأماكن السياحية والمؤسسات العامة والأسواق والمتنزهات ومواقف السيارات والفنادق والمدارس والساحات، إلخ، كما أنها واضحة أيضا فيما يخص الأماكن السكنية للعرب، وللمحيط المباشر للبلدة القديمة بما فيها المقبرة الإسلامية وسلوان. أي أنها لا تترك شيئا لوسائل الإعلام لكي يشكل خبرا لم يتم الإفصاح عنه مسبقا.

لكن على الرغم من ذلك، فإن علامات الاستفزاز لا تظهر على القيادات الفلسطينية والعربية ومن ورائها وسائل الإعلام العربية والفلسطينية، إلا عندما تتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية عن تنفيذ مشاريع جديدة في المدينة المقدسة. فمثلا، من الواضح أن إسرائيل قد وضعت خططا منذ زمن بعيد لهدم بيوت بلدة سلوان، لكن حركة الفلسطينيين والعرب لم تظهر إلا عند التنفيذ الفعلي للجرافات الإسرائيلية. وكذلك الأمر أيضا لجبل أبو غنيم الذي كان يظهر في المخططات على أنه حي استيطاني يهودي، لكن حب القادة له لم يظهر إلا بعدما بدأت إسرائيل في تمهيده للبناء الاستيطاني.

ويشير البرفسور قاسم إلى أن تأثير هذا البعد الإعلامي يظهر عندما ينظر المتتبع إلى وحدات سكنية يتم بناؤها في العديد من المستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية بهدوء ودون ضجيج. هذه الوحدات لا تثير القادة العرب والفلسطينيين ولا الإعلام العربي والفلسطيني، ولا تحظى بأي اكتراث على أي مستوى محلي أو عربي، على الرغم من أنها واضحة للعيان ويراها المارة ترتفع يوما بعد يوم.

وهو ما يقود إلى التساؤل: ماذا كان يمكن أن يستفز قادة العرب والمسلمين ومعهم الإعلام العربي لو أن إسرائيل مضت في تنفيذ كل مخططاتها دون أن تتحدث عن ذلك في الإعلام؟!.

وعليه، يبدو من الواضح أن قادة العرب والفلسطينيين ومعهم الإعلام الرسمي لا يتحركون دفاعا عن القدس إلا بدافع الإحراج وليس بدافع العمل الجاد على إنقاذ المدينة. وإلا، فلماذا لا نسمع صراخا إلا بعدما تبدأ إسرائيل في عملية تنفيذ مغطاة إعلاميا[1]؟!

ثالثاً: غياب أي معالجات للظواهر الإعلامية المرضية المرتبطة بالتعاطي مع هذه القضية

حيث تبرز على ساحة العمل الإعلامي العربي جملة من الظواهر المرضية في التعاطي مع أكثر القضايا حساسية، ويمكن الاٌشارة إلى تلك الظواهر إجمالاً على النحو التالي:

– الموسمية في الاهتمام والعمل، إذ لا يكاد يوجد نشاط مبرمج مثابر ومتصل، بل الانفعال بالأحداث بشكل هبّات موسمية ومناسباتية، ولذلك يلاحظ أنه خلال الاستقراء الأولي لأداء وسائل الإعلام العربية في العامين الماضيين 2011، 2012، كمثال، بدت تغطيات وسائل الإعلام العربية لقضية تهويد القدس كحالة استثنائية أو في مناسبات معينة، كاستجابة لأحداث أو مستجدات على الأرض، بينما يندر أن تتبنى وسائل الإعلام العربية خطاباً مستمراً حول هذه القضية.

على سبيل المثال، خلال العام الماضي 2012، شهدت المنطقة العربية عدداً من المؤتمرات حول قضية القدس، عقدت في كل من: الدوحة، عمان، وبيروت، كانت مناسبة لتذكير وسائل الإعلام العربية بهذه القضية، لتشهد حينها ساحة الإعلام العربي بعض التغطيات والتناولات الإعلامية المتعلقة بالحدث.

– الخضوع إلى “التقادم الزمني” إزاء ما تمارسه المؤسسة الصهيونية، التي تعمد إلى افتعال مصيبة أو مجزرة جديدة فننشغل بها، من أجل تمرير مشاريع سابقة في غمرة الانشغال بالقضية المستجدة.

-التعاطي الظاهري والجزئي مع القضية، دون الغوص في تفاصيلها والبحث في الحلول المطلوبة، على سبيل المثال تحاول وسائل الإعلام العربية فضح جرائم العدو الصهيوني من غير محاولة البحث في كيفية رد العدوان والمسؤوليات الواجبة إزاءه.

– ومن الإشكاليات القائمة بالنظر إلى تعاطي وسائل الإعلام العربية خصوصاً الرسمية، مع قضية تهويد القدس، اختلاط المأساة بالملهاة، على سبيل المثال عندما تجد في شريط الأخبار مثلاً على الشاشة أخباراً ساخنة مريعة ومأساوية عن فلسطين أو لبنان والعراق وفوق الشريط أغنية ماجنة أو دعاية تافهة[2].

توصيات أولية عاجلة للإعلام العربي في مواجهة تهويد القدس:

–  إثراء معارف محرري الشؤون العربية في وسائل الإعلام العربية بتفاصيل قضية تهويد القدس، والسياقات التاريخية والقانونية للقضية.

–   التفكير في كيفية الاستفادة من نشاط جماعات حقوق الإنسان داخل دولة الاحتلال التي تناهض مشاريع الاستيطان والتهويد وكذا بعض الصحافيين الإسرائيليين المناهضين لتلك المشاريع، خصوصاً أولئك المعارضين لمشاريع طمس الهوية الإسلامية والعربية في مدينة القدس، وإبراز أصواتهم عبر وسائل الإعلام العربي.

–  التوقف عن الموسمية في التعاطي مع قضية تهويد القدس، بحيث تظل هذه القضية في دائرة الاهتمام والمتابعة المستمرة لا أن تتحول إلى موضوع يذكر في المناسبات فقط.

 إنشاء مراكز دراسات وبحث علمية وقانونية جادة لمتابعة وتحليل وتفنيد ما تقوم به إسرائيل في هذا الإطار.‏

– ضرورة الاستفادة من تأثير الشخصيات الوطنية في فلسطين والعالم العربي، سواء كانت شخصيات دينية أو سياسية في مجابهة تهويد القدس والدفاع عنها، وتخصيص مساحات كافية لهذه الشخصيات في وسائل الإعلام العربي.

– توحيد جهود المنظمات الفلسطينية العاملة في مجال الدفاع عن مدينة القدس والحفاظ على هويتها الإسلامية والعربية، والتفكير في إنشاء شبكة تنسيق إعلامية بين المؤسسات واللجان الكثيرة التي تحمل اسم الدفاع عن القدس.‏

[1] ) تهويد القدس، قاسم عبدالستار، الجزيرة نت،http://www.aljazeera.net/opinions/pages/22b6b484-6ed4-4e1d-a55e-7c76aa03cee1

[2] ) د.عدنان جابر، القدس والإعلام العربي، مداخلة في ورشة عمل بعنوان: “نحو بلورة استراتيجية عربية لمواجهة تهويد القدس ومحاولات هدم الأقصى”، بتأريخ 06/03/2007، دمشق، http://www.baath-party.org/index.php?option=com_content&view=article&id=5765:2012-03-27-09-01-04&catid=182&Itemid=121&lang=ar

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس دائرة الحقوق والحريات في اتحاد الرشاد اليمني

(هذه المادة أُلقيت في الندوة الفكرية التي نظمها مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية، في العاصمة اليمنية صنعاء، بعنوان الإعلام العالمي ومشاريع تهويد القدس”، بتأريخ الأحد 9 رجب 34هـ، الموافق 19 مايو/ أيار 2013).

زر الذهاب إلى الأعلى